صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن طلب فلم يجد فتيمم - ثم طلع عليه ركب قبل أن يدخل في الصلاة لزمه أن يسألهم عن الماء فإن لم يجد معهم الماء أعاد التيمم لأنه لما توجه الطلب بطل التيمم ) .


( الشرح ) قال أهل اللغة : الركب هم ركبان الإبل العشرة ونحوهم ، وهو مختص بركبان الإبل ، هذا أصله . ومراد أصحابنا بالركب جماعة يجوز أن يكون معهم ماء ، سواء كانوا على دواب أو رجالة . قال أصحابنا : فإذا تيمم بعد الطلب ثم حدث ما يحتمل القدرة على الماء بسببه بطل تيممه ، وإن بان أنه لا قدرة له على الماء ، وذلك بأن رأى جماعة أقبلت أو سحابة أظلت بقربه أو سرابا ظنه ماء أو ماء توهمه طاهرا فكان نجسا ، أو بئرا توهم أن فيها ماء فلم يكن ، أو أنه يمكن نزولها فلم يمكن وما أشبه هذا لأن التيمم يراد لإباحة الصلاة ، فإذا رأى هذه الأشياء توجه الطلب ، وإذا توجه بطل التيمم لأنه خرج عن الإباحة . هذا إذا لم يكن هناك مانع يمنع وجوب الوضوء على تقدير كونه ماء ، فإن كان لم يبطل تيممه ; لأن التيمم يجوز في هذه الحالة ابتداء . قال إمام الحرمين وغيره : ضابط المذهب أن التمكن من استعمال الماء أو توهم التمكن يبطل تيممه ، فلو رأى بئرا فيها ماء ولا يمكنه النزول فيها ولا دلو أو لا حبل معه فإن علم أول ما رآها أنه لا يقدر عليها لم يبطل تيممه وإلا بطل ، ولو طلع عليه جماعة عراة لم يبطل تيممه ، ولو رأى ماء وسبعا أو عدوا يمنعه منه فإن رأى الماء أولا ثم رأى المانع بطل تيممه وإن رأى المانع أولا أو رآهما معا لم يبطل : قال أصحابنا : ولو سمع بعد التيمم رجلا يقول : معي ماء ، بطل تيممه وإن بان كاذبا ، ولو سمعه يقول : أودعني فلان ماء أو غصبت من فلان ماء لم يبطل تيممه إن كان فلان غائبا ، فإن كان حاضرا بطل لإمكان طلبه منه ، ولو [ ص: 300 ] قال . معي ماء أودعنيه فلان أو غصبته من فلان بطل تيممه على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، ونقله المتولي عن الأصحاب لأنه أطمعه في الماء بتقديم ذكره ، وفيه احتمال للقاضي حسين أنه لا يبطل على قولنا : لا يتبعض الإقرار ، وضعفه البغوي والشاشي وغيرهما .

قال الشاشي في المعتمد : لأنه لا فرق في الإقرار بين قوله : له علي ألف ثمن خمر ، وقوله : له علي من ثمن خمر ألف ، في أن الجميع على قولين لأنه وصل إقراره بما يبطله ، سواء تقدم ذكر الخمر أو تأخر . وهنا المؤثر في التيمم توجه الطلب ، ثم إن جاز أن يخرج قولا إلى التيمم من الإقرار لم لا يجوز أن يخرج في قوله : عندي ماء أودعنيه فلان قولا أنه لا يبطل ؟ لأنه لما وصله بآخر كلامه بان أنه لا يقدر عليه ، وقد وافق القاضي في بطلان تيممه في هذه الصورة والله أعلم . وأما قول المصنف : " فإن لم يجد معهم الماء أعاد الطلب " فقد سبق بيان الخلاف فيه ، وأنه إذا قلنا بوجوب الطلب كان أخف من الطلب الأول والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية