صفحة جزء
( 1295 ) فصل : وللسعي إلى الجمعة وقتان : وقت وجوب ، ووقت فضيلة . فأما وقت الوجوب فما ذكرناه ، وأما وقت الفضيلة فمن أول النهار ، فكلما كان أبكر كان أولى وأفضل . وهذا مذهب الأوزاعي ، والشافعي ، وابن المنذر ، وأصحاب الرأي . وقال مالك : لا يستحب التبكير قبل الزوال ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من راح إلى الجمعة " .

والرواح بعد الزوال ، والغدو قبله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : { غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها } . ويقال : تروحت عند انتصاف النهار .

قال امرؤ القيس :

تروح من الحي أم تبتكر

ولنا ، ما روى أبو هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ، ثم راح في الساعة الأولى ، فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية ، فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة ، فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة ، فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة ، فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر } متفق عليه . وفي لفظ : { إذا كان يوم الجمعة وقف على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول ، فإذا خرج الإمام طووا الصحف ، وجاءوا يستمعون } . متفق عليه . وقال علقمة : خرجت مع عبد الله إلى الجمعة ، فوجدت ثلاثة قد سبقوه ، فقال : رابع أربعة ، وما رابع أربعة ببعيد ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إن الناس يجلسون من الله عز وجل يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعة } . رواه ابن ماجه . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من غسل يوم الجمعة واغتسل ، وبكر وابتكر ، كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة ، صيامها وقيامها } . أخرجه الترمذي ، وقال : حديث حسن . رواه ابن ماجه ، وزاد : { ومشى ولم يركب ، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ . }

قوله " بكر " أي خرج في بكرة النهار ، وهي أوله " وابتكر " بالغ في [ ص: 73 ] التبكير ، أي جاء في أول البكرة ، على ما قال امرؤ القيس :

تروح من الحي أم تبتكر

وقيل : معناه ابتكر العبادة مع بكورة . وقيل : ابتكر الخطبة . أي : حضر الخطبة ، مأخوذ من باكورة الثمرة ، وهي أولها . وغير هذا أجود ; لأن من جاء في بكرة النهار ، لزم أن يحضر أول الخطبة

وقوله : " غسل واغتسل " أي : جامع امرأته ثم اغتسل . ولهذا قال في الحديث الآخر : { من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة } . قال أحمد : تفسير قوله : " من غسل واغتسل " مشددة ، يريد يغسل أهله ، وغير واحد من التابعين : عبد الرحمن بن الأسود ، وهلال بن يساف ، يستحبون أن يغسل الرجل أهله يوم الجمعة ، وإنما هو على أن يطأ وإنما استحب ذلك ليكون أسكن لنفسه ، وأغض لطرفه في طريقه . وروي ذلك عن وكيع أيضا . وقيل : المراد به غسل رأسه ، واغتسل في بدنه . حكي هذا عن ابن المبارك .

وقوله : " غسل الجنابة " على هذا التفسير أي كغسل الجنابة . وأما قول مالك فمخالف للآثار ; لأن الجمعة يستحب فعلها عند الزوال ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبكر بها ، ومتى خرج الإمام طويت الصحف ، فلم يكتب من أتى الجمعة بعد ذلك ، فأي فضيلة لهذا ؟ وإن أخر بعد ذلك شيئا دخل في النهي والذم ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي جاء يتخطى الناس : { رأيتك آنيت وآذيت } . أي أخرت المجيء . وقال عمر لعثمان حين جاء وهو يخطب : أي ساعة هذه ؟ على سبيل الإنكار عليه .

وإن أخر أكثر من هذا فاتته الجمعة ، فكيف يكون لهؤلاء بدنة ، أو بقرة ، أو فضل ، وهم من أهل الذم . وقوله : " راح إلى الجمعة " أي : ذهب إليها . لا يحتمل غير هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية