صفحة جزء
[ ص: 97 ] مسألة : قال : ( ومن صلى الظهر يوم الجمعة ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام أعادها بعد صلاته ظهرا ) يعني من وجبت عليه الجمعة إذا صلى الظهر قبل أن يصلي الإمام الجمعة ، لم يصح ، ويلزمه السعي إلى الجمعة إن ظن أنه يدركها ; لأنها المفروضة عليه ، فإن أدركها معه صلاها ، وإن فاتته فعليه صلاة الظهر ، وإن ظن أنه لا يدركها انتظر حتى يتيقن أن الإمام قد صلى ، ثم يصلي الظهر .

وهذا قول مالك ، والثوري ، والشافعي في الجديد وقال أبو حنيفة ، والشافعي في القديم : تصح ظهره قبل صلاة الإمام ; لأن الظهر فرض الوقت بدليل سائر الأيام ، وإنما الجمعة بدل عنها ، وقائمة مقامها ، ولهذا إذا تعذرت الجمعة صلى ظهرا ، فمن صلى الظهر فقد أتى بالأصل ، فأجزأه كسائر الأيام . وقال أبو حنيفة : ويلزمه السعي إلى الجمعة ، فإن سعى بطلت ظهره ، وإن لم يسع ، أجزأته .

ولنا ، أنه صلى ما لم يخاطب به ، وترك ما خوطب به ، فلم تصح ، كما لو صلى العصر مكان الظهر ، ولا نزاع في أنه مخاطب بالجمعة ، فسقطت عنه الظهر ، كما لو كان بعيدا ، وقد دل عليه النص والإجماع . ولا خلاف في أنه يأثم بتركها وترك السعي إليها ، ويلزم من ذلك أن لا يخاطب بالظهر ; لأنه لا يخاطب في الوقت بصلاتين ، ولأنه يأثم بترك الجمعة وإن صلى الظهر ، ولا يأثم بفعل الجمعة وترك الظهر بالإجماع ، والواجب ما يأثم بتركه دون ما لم يأثم به . وقولهم : إن الظهر فرض الوقت

لا يصح ; لأنها لو كانت الأصل لوجب عليه فعلها ، وأثم بتركها ، ولم تجزه صلاة الجمعة مع إمكانها ، فإن البدل لا يصار إليه إلا عند تعذر المبدل ، بدليل سائر الأبدال مع مبدلاتها ، ولأن الظهر لو صحت لم تبطل بالسعي إلى غيرها ، كسائر الصلوات الصحيحة ، ولأن الصلاة إذا صحت برئت الذمة منها ، وأسقطت الفرض عمن صلاها ، فلا يجوز اشتغالها بها بعد ذلك ، ولأن الصلاة إذا فرغ منها لم تبطل بشيء من مبطلاتها ، فكيف تبطل بما ليس من مبطلاتها ، ولا ورد الشرع به

فأما إذا فاتته الجمعة فإنه يصير إلى الظهر ; لأن الجمعة لا يمكن قضاؤها ; لأنها لا تصح إلا بشروطها ، ولا يوجد ذلك في قضائها ، فتعين المصير إلى الظهر عند عدمها ، وهذا حال البدل ( 1360 )

فصل : فإن صلى الظهر ، ثم شك : هل صلى قبل صلاة الإمام أو بعدها ؟ لزمه إعادتها ; لأن الأصل بقاء الصلاة في ذمته ، فلا يبرأ منها إلا بيقين ، ولأنه ، صلاها مع الشك في شرطها ، فلم تصح ، كما لو صلاها مع الشك في طهارتها . وإن صلاها مع صلاة الإمام لم تصح ; لأنه صلاها قبل فراغ الإمام منها ، أشبه ما لو صلاها قبله في وقت يعلم أنه لا يدركها .

( 1361 ) فصل : فأما من لا تجب عليه الجمعة ، كالمسافر ، والعبد ، والمرأة ، والمريض ، وسائر المعذورين ، فله أن يصلي الظهر قبل صلاة الإمام في قول أكثر أهل العلم . وقال أبو بكر عبد العزيز : لا تصح صلاته قبل الإمام ; لأنه لا يتيقن بقاء العذر ، فلم تصح صلاته كغير المعذور .

ولنا ، أنه لم يخاطب بالجمعة ، فصحت منه الظهر ، كما لو كان بعيدا من موضع الجمعة . وقوله : لا يتيقن بقاء [ ص: 98 ] العذر . قلنا : أما المرأة فمعلوم بقاء عذرها ، وأما غيرها فالظاهر بقاء عذره ، والأصل استمراره ، فأشبه المتيمم إذا صلى في أول الوقت ، والمريض إذا صلى جالسا ، إذا ثبت هذا ، فإنه إن صلاها ، ثم سعى إلى الجمعة ، لم تبطل ظهره ، وكانت الجمعة نفلا في حقه ، سواء زال عذره أو لم يزل .

وقال أبو حنيفة : تبطل ظهره بالسعي إليها ، كالتي قبلها . ولنا ، ما روى أبو العالية ، قال : سألت عبد الله بن الصامت ، فقلت : نصلي يوم الجمعة خلف أمراء فيؤخرون الصلاة ؟ فقال : سألت أبا ذر عن ذلك ، فقال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : { صلوا الصلاة لوقتها ، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة . } وفي لفظ : { فإن أدركتها معهم فصل ، فإنها لك نافلة } .

ولأنها صلاة صحيحة أسقطت فرضه ، وأبرأت ذمته ، فأشبهت ما لو صلى الظهر منفردا ، ثم سعى إلى الجماعة ، والأفضل أن لا يصلوا إلا بعد صلاة الإمام ; ليخرجوا من الخلاف ، ولأنه يحتمل زوال أعذارهم ، فيدركون الجمعة . ( 1362 )

فصل : ولا يكره لمن فاتته الجمعة ، أو لم يكن من أهل فرضها ، أن يصلي الظهر في جماعة إذا أمن أن ينسب إلى مخالفة الإمام ، والرغبة عن الصلاة معه ، أو أنه يرى الإعادة إذا صلى معه . فعل ذلك ابن مسعود ، وأبو ذر ، والحسن بن عبيد الله ، وإياس بن معاوية ، وهو قول الأعمش ، والشافعي ، وإسحاق .

وكرهه الحسن ، وأبو قلابة ، ومالك ، وأبو حنيفة ، لأن زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخل من معذورين ، فلم ينقل أنهم صلوا جماعة . ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة } وروي عن ابن مسعود أنه فاتته الجمعة ، فصلى بعلقمة والأسود

واحتج به أحمد ، وفعله من ذكرنا من قبل ومطرف ، وإبراهيم . قال أبو عبد الله : ما أعجب الناس ينكرون هذا ، فأما زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينقل إلينا أنه اجتمع جماعة معذورون يحتاجون إلى إقامة الجماعة . إذا ثبت هذا ، فإنه لا يستحب إعادتها جماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في مسجد تكره إعادة الجماعة فيه .

وتكره أيضا في المسجد الذي أقيمت فيه الجمعة ; لأنه يفضي إلى النسبة إلى الرغبة عن الجمعة ، أو أنه لا يرى الصلاة خلف الإمام ، أو يعيد الصلاة معه فيه ، وفيه افتيات على الإمام ، وربما أفضى إلى فتنة ، أو لخوف ضرر به وبغيره ، وإنما يصليها في منزله ، أو موضع لا تحصل هذه المفسدة بصلاتها فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية