صفحة جزء
( 1363 ) مسألة : قال : ( ويستحب لمن أتى الجمعة أن يغتسل ، ويلبس ثوبين نظيفين ، ويتطيب ) لا خلاف في استحباب ذلك ، وفيه آثار كثيرة صحيحة ، منها ما روى سلمان الفارسي ، قال : قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { لا يغتسل رجل يوم الجمعة ، ويتطهر ما استطاع من طهر ، ويدهن من دهنه ، أو يمس من طيب بيته ، ثم يخرج ، فلا يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كتب له ، ثم ينصت إذا تكلم الإمام ، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى } . رواه البخاري .

وليس ذلك بواجب في قول أكثر أهل العلم . قال الترمذي : العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم . وهو قول الأوزاعي ، والثوري ، ومالك ، والشافعي ، وابن المنذر وأصحاب الرأي ، وقيل : إن هذا إجماع .

قال ابن عبد البر : أجمع علماء المسلمين قديما وحديثا على أن غسل الجمعة ليس بفرض واجب . وحكي عن أحمد رواية أخرى ، أنه واجب ، وروي ذلك عن أبي هريرة ، وعمرو بن سليم وقاول عمار بن ياسر رجلا ، فقال عمار : أنا إذا أشر ممن لا يغتسل يوم الجمعة ووجهه قول النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 99 ] { غسل الجمعة واجب على كل محتلم } ، وقوله عليه السلام { : من أتى منكم الجمعة فليغتسل } وعن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما ، يغسل رأسه وجسده } متفق عليهن .

ولنا ، ما روى سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل } رواه النسائي والترمذي ، وقال : حديث حسن . وعن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : { من توضأ ، فأحسن الوضوء ، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت ، غفر له ما بينه وبين الجمعة ، وزيادة ثلاثة أيام ، ومن مس الحصى فقد لغا } . متفق عليه .

وأيضا فإنه إجماع ، حيث قال عمر لعثمان : أية ساعة هذه ؟ فقال : إني شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء ، فلم أزد على الوضوء ، فقال له عمر : والوضوء أيضا وقد علمت { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل ؟ } ولو كان واجبا لرده ، ولم يخف على عثمان وعلى من حضر من الصحابة ، وحديثهم محمول على تأكيد الندب ، ولذلك ذكر في سياقه : " وسواك ، وأن يمس طيبا " كذلك رواه مسلم . والسواك ، ومس الطيب ، لا يجب ، ولما ذكرنا من الأخبار ، وقالت عائشة : كان الناس مهنة أنفسهم ، وكانوا يروحون إلى الجمعة بهيئتهم ، فتظهر لهم رائحة ، فقيل لهم : لو اغتسلتم . رواه مسلم بنحو هذا المعنى ( 1364 ) فصل : وقت الغسل بعد طلوع الفجر ، فمن اغتسل بعد ذلك أجزأه ، وإن اغتسل قبله لم يجزئه ، وهذا قول مجاهد ، والحسن ، والنخعي ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق وحكي عن الأوزاعي أنه يجزئه الغسل قبل الفجر . وعن مالك : أنه لا يجزئه الغسل إلا أن يتعقبه الرواح . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { من اغتسل يوم الجمعة } واليوم من طلوع الفجر ، وإن اغتسل ، ثم أحدث ، أجزأه الغسل ، وكفاه الوضوء ، وهذا قول مجاهد ، والحسن ، ومالك ، والأوزاعي ، والشافعي . واستحب طاوس والزهري ، وقتادة ، ويحيى بن أبي كثير ، إعادة الغسل .

ولنا ، أنه اغتسل يوم الجمعة ، فدخل في عموم الخبر ، وأشبه من لم يحدث ، والحدث إنما يؤثر في الطهارة الصغرى ، ولا يؤثر في المقصود من الغسل ، وهو التنظيف ، وإزالة الرائحة ، ولأنه غسل ، فلا يؤثر الحدث في إبطاله ، كغسل الجنابة . ( 1365 ) فصل : ويفتقر الغسل إلى النية ; لأنه عبادة محضة ، فافتقر إلى النية ، كتجديد الوضوء ، فإن اغتسل للجمعة والجنابة غسلا واحدا ونواهما ، أجزأه ، ولا نعلم فيه خلافا وروي ذلك عن ابن عمر ، ومجاهد ، ومكحول ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبي ثور . وقد ذكرنا أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم { من غسل واغتسل } أي : جامع واغتسل ، ولأنهما غسلان اجتمعا ، فأشبها غسل الحيض والجنابة ، وإن اغتسل للجنابة ، ولم ينو غسل الجمعة ، ففيه وجهان ، أحدهما لا يجزئه .

[ ص: 100 ] وروي عن بعض بني أبي قتادة ، أنه دخل عليه يوم الجمعة مغتسلا ، فقال : للجمعة اغتسلت ؟ فقال : لا ، ولكن للجنابة . قال : فأعد غسل الجمعة . ووجه ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : { وإنما لكل امرئ ما نوى } . والثاني : يجزئه ، لأنه مغتسل ، فيدخل في عموم الحديث ، ولأن المقصود التنظيف ، وهو حاصل بهذا الغسل ، وقد روي في بعض الحديث : { من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة } ( 1366 ) فصل : ومن لا يأتي الجمعة فلا غسل عليه قال أحمد : ليس على النساء غسل يوم الجمعة ، وعلى قياسهن الصبيان والمسافر والمريض . وكان ابن عمر ، وعلقمة ، لا يغتسلان في السفر ، وكان طلحة يغتسل وروي عن مجاهد ، وطاوس ، ولعلهم أخذوا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : { غسل الجمعة واجب على كل محتلم } وغيره من الأخبار العامة .

ولنا قوله عليه السلام : { من أتى الجمعة فليغتسل } ولأن المقصود التنظيف ، وقطع الرائحة حتى لا يتأذى غيره به ، وهذا مختص بمن أتى الجمعة ، والأخبار العامة يراد بها هذا ، ولهذا سماه غسل الجمعة ، ومن لا يأتيها لا يكون غسله غسل الجمعة ، وإن أتاها أحد ممن لا تجب عليه استحب له الغسل لعموم الخبر ، ووجود المعنى فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية