صفحة جزء
( 1416 ) مسألة : قال : ( ويستفتح في أولها ، ويحمد الله ويثني عليه ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين ، وإن أحب قال : الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ، وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم وإن أحب قال غير ذلك . ويكبر في الثانية خمس تكبيرات سوى التكبيرة التي يقوم بها من السجود ، ويرفع يديه مع كل تكبيرة )

قوله : " يستفتح " . يعني يدعو بدعاء الاستفتاح عقيب التكبيرة الأولى ، ثم يكبر تكبيرات العيد ، ثم يتعوذ ثم [ ص: 120 ] يقرأ . وهذا مذهب الشافعي . وعن أحمد رواية أخرى ، أن الاستفتاح بعد التكبيرات .

اختارها الخلال وصاحبه . وهو قول الأوزاعي ; لأن الاستفتاح تليه الاستعاذة ، وهي قبل القراءة . وقال أبو يوسف : يتعوذ قبل التكبير ; لئلا يفصل بين الاستفتاح والاستعاذة . ولنا ، أن الاستفتاح شرع ليستفتح به الصلاة ، فكان في أولها كسائر الصلوات ، والاستعاذة شرعت للقراءة ، فهي تابعة لها ، فتكون عند الابتداء بها ; لقول الله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } .

وقد روى أبو سعيد { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ قبل القراءة . } وإنما جمع بينهما في سائر الصلوات ; لأن القراءة تلي الاستفتاح من غير فاصل ، فلزم أن يليه ما يكون في أولها ، بخلاف مسألتنا ، وأيا ما فعل كان جائزا .

وإذا فرغ من الاستفتاح حمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم فعل هذا بين كل تكبيرتين ، فإن قال ما ذكره الخرقي فحسن ; لأنه يجمع ما ذكرناه ، وإن قال غيره نحو أن يقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . أو ما شاء من الذكر ، فجائز . وبهذا قال الشافعي . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والأوزاعي : يكبر متواليا ، لا ذكر بينه ، لأنه لو كان بينه ذكر مشروع لنقل ، كما نقل التكبير ، ولأنه ذكر من جنس مسنون ، فكان متواليا ، كالتسبيح في الركوع والسجود .

ولنا ، ما روى علقمة ، أن عبد الله بن مسعود ، وأبا موسى ، وحذيفة ، خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوما ، فقال لهم : إن هذا العيد قد دنا ، فكيف التكبير فيه ؟ فقال عبد الله تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة ، وتحمد ربك ، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو وتكبر ، وتفعل مثل ذلك ، ثم تدعو وتكبر ، وتفعل مثل ذلك ، ثم تدعو وتكبر ، وتفعل مثل ذلك ، ثم تدعو وتكبر ، وتفعل مثل ذلك ، ثم تدعو وتكبر ، وتفعل مثل ذلك ، ثم تقرأ ثم تكبر وتركع ، ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك ، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تركع . فقال حذيفة وأبو موسى : صدق أبو عبد الرحمن . رواه الأثرم ، في " سننه "

ولأنها تكبيرات حال القيام فاستحب أن يتخللها ذكر ، كتكبيرات الجنازة ، وتفارق التسبيح ، لأنه ذكر يخفى ولا يظهر بخلاف التكبير . وقياسهم منتقض بتكبيرات الجنازة .

قال القاضي : يقف بين كل تكبيرتين بقدر آية ، لا طويلة ولا قصيرة .

وهذا قول الشافعي . ( 1417 ) فصل : والتكبيرات والذكر بينها سنة ، وليس بواجب ، ولا تبطل الصلاة بتركه عمدا ولا سهوا ، ولا أعلم فيه خلافا ، فإن نسي التكبير ، وشرع في القراءة ، لم يعد إليه . قاله ابن عقيل ، وهو أحد قولي الشافعي ، لأنه سنة فلم يعد إليه بعد الشروع في القراءة ، كالاستفتاح . وقال القاضي : فيها وجه آخر ، أنه يعود إلى التكبير .

وهو قول مالك ، وأبي ثور ، والقول الثاني للشافعي ; لأنه ذكره في محله ، فيأتي به كما قبل الشروع في القراءة ، وهذا لأن محله القيام ، وقد ذكره فيه ، فعلى هذا يقطع القراءة ويكبر ، ثم يستأنف القراءة ، لأنه قطعها متعمدا بذكر طويل . وإن كان المنسي شيئا يسيرا احتمل أن يبني ; لأنه لم يطل الفصل ، أشبه ما لو قطعها بقول " آمين " . واحتمل [ ص: 121 ] أن يبتدئ ; لأن محل التكبير قبل القراءة ، ومحل القراءة بعده ، فيستأنفها ، ليأتي بها بعده وإن ذكر التكبير بعد القراءة ، فأتى به ، لم يعد القراءة وجها واحدا ; لأنها وقعت موقعها .

وإن لم يذكره حتى ركع ، سقط وجها واحدا ، لأنه فات المحل . وكذلك المسبوق إذا أدرك الركوع ، لم يكبر فيه . وقال أبو حنيفة : يكبر فيه ; لأنه بمنزلة القيام ، بدليل إدراك الركعة به . ولنا ، أنه ذكر مسنون حال القيام ، فلم يأت به في الركوع ، كالاستفتاح ، وقراءة السورة ، والقنوت عنده ، وإنما أدرك الركعة بإدراكه ، لأنه أدرك معظمها ، ولم يفته إلا القيام ، وقد حصل منه ما يجزئ في تكبيرة الإحرام .

فأما المسبوق إذا أدرك الإمام بعد تكبيره ، فقال ابن عقيل : يكبر ; لأنه أدرك محله . ويحتمل أن لا يكبر ; لأنه مأمور بالإنصات إلى قراءة الإمام . ويحتمل أنه إن كان يسمع قراءة الإمام أنصت ، وإن كان بعيدا كبر . ( 1418 ) فصل : وإذا شك في عدد التكبيرات بنى على اليقين ، فإن كبر ثم شك هل نوى الإحرام أو لا ، ابتدأ الصلاة هو ومن خلفه ; لأن الأصل عدم النية ، إلا أن يكون وسواسا ، فلا يلتفت إليه .

وسائر المسألة قد سبق شرحها .

التالي السابق


الخدمات العلمية