صفحة جزء
( 1419 ) مسألة : قال : ( فإذا سلم خطب بهم خطبتين ، يجلس بينهما ، فإن كان فطرا حضهم على الصدقة ، وبين لهم ما يخرجون ، وإن كان أضحى يرغبهم في الأضحية ، ويبين لهم ما يضحى به ) وجملته أن خطبتي العيدين بعد الصلاة ، لا نعلم فيه خلافا بين المسلمين ، إلا عن بني أمية .

وروي عن عثمان ، وابن الزبير أنهما فعلاه ، ولم يصح ذلك عنهما ، ولا يعتد بخلاف بني أمية ; لأنه مسبوق بالإجماع الذي كان قبلهم ، ومخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، وقد أنكر عليهم فعلهم ، وعد بدعة ومخالفا للسنة ، فإن ابن عمر قال : { إن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة } . متفق عليه . وروى ابن عباس مثله . رواه مسلم . ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة ، وروى طارق بن شهاب قال : قدم مروان الخطبة قبل الصلاة فقام رجل ، فقال : خالفت السنة ، كانت الخطبة بعد الصلاة . فقال : ترك ذاك يا أبا فلان . فقام أبو سعيد ، فقال : أما هذا المتكلم فقد قضى ما عليه ، قال لنا رسول الله : صلى الله عليه وسلم { من رأى منكم منكرا فلينكره بيده ، فمن لم يستطع فلينكره بلسانه ، فمن لم يستطع فلينكره بقلبه ، وذلك أضعف الإيمان . } . رواه أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق . ورواه مسلم في صحيحه ، ولفظه : " فليغيره " .

فعلى هذا من خطب قبل الصلاة فهو كمن لم يخطب ; لأنه خطب في غير محل الخطبة ، أشبه ما لو خطب في الجمعة بعد الصلاة . إذا ثبت هذا فإن صفة الخطبتين كصفة خطبتي الجمعة ، إلا أنه يستفتح الأولى بتسع تكبيرات متواليات ، والثانية بسبع متواليات .

قال القاضي : وإن أدخل بينهما تهليلا أو ذكرا فحسن . وقال سعيد : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، قال : يكبر الإمام على المنبر يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات ، ثم يخطب ، وفي الثانية سبع تكبيرات ، ويستحب أن يكثر التكبير في أضعاف خطبته .

[ ص: 122 ] وروى سعد مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر بين أضعاف الخطبة ، يكثر التكبير في خطبتي العيدين } . رواه ابن ماجه

، فإذا كبر في أثناء الخطبة كبر الناس بتكبيره .

وقد روي عن أبي موسى أنه كان يكبر يوم العيد على المنبر اثنتين وأربعين تكبيرة ، ويجلس بين الخطبتين ; لما روى ابن ماجه ، بإسناده ، عن جابر ، قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى ، فخطب قائما ، ثم قعد قعدة ، ثم قام . } ويجلس عقيب صعوده المنبر . وقيل : لا يجلس عقيب صعوده ; لأن الجلوس في الجمعة للأذان ، ولا أذان هاهنا . فإن كان في الفطر أمرهم بصدقة الفطر ، وبين لهم وجوبها ، وثوابها ، وقدر المخرج ، وجنسه ، وعلى من تجب ، والوقت الذي يخرج فيه . وفي الأضحى يذكر الأضحية ، وفضلها ، وأنها سنة مؤكدة ، وما يجزئ فيها ، ووقت ذبحها ، والعيوب التي تمنع منها ، وكيفية تفرقتها ، وما يقوله عند ذبحها ;

لما روي عن أبي سعيد قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، فأول ما يبدأ به الصلاة ، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس ، والناس جلوس على صفوفهم ، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم ، وإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه ، أو يأمر بشيء أمر به ، ثم ينصرف } .

رواه البخاري ، وروى مسلم نحوه . وعن جابر ، قال : { شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة ، ثم قام متوكئا على بلال ، فأمر بتقوى الله ، وحث على طاعته ، ووعظ الناس فذكرهم ، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن } . متفق عليه .

وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من ذبح قبل أن يصلي فإنما هو شاة لحم عجله لأهله ، ليس من النسك في شيء ، ومن ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى ، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وقد أصاب سنة المسلمين } . ( 1420 ) فصل : والخطبتان سنة ، لا يجب حضورها ولا استماعها ; لما روى عبد الله بن السائب قال : { شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد ، فلما قضى الصلاة ، قال : إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ، ومن أحب أن يذهب فليذهب } . رواه النسائي ، وابن ماجه ، ورواه أبو داود ، وقال : هو مرسل .

وإنما أخرت عن الصلاة - والله أعلم - لأنها لما كانت غير واجبة جعلت في وقت يتمكن من أراد تركها ، من تركها ، بخلاف خطبة الجمعة . والاستماع لها أفضل .

وقد روي عن الحسن ، وابن سيرين ، أنهما كرها الكلام يوم العيد والإمام يخطب . وقال إبراهيم : يخطب الإمام يوم العيد قدر ما يرجع النساء إلى بيوتهن . وهذا يدل على أنه لا يستحب لهن الجلوس لاستماع الخطبة ، لئلا يختلطن بالرجال . وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في موعظته النساء بعد فراغه من خطبته ، دليل على أنهن لم ينصرفن قبل فراغه ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أحق بالاتباع .

( 1421 ) فصل : ويستحب أن يخطب قائما ; لما روى جابر ، قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى ، فخطب قائما ، ثم قعد ثم قام } ، رواه ابن ماجه . ولأنها خطبة عيد ، فأشبهت خطبة الجمعة . وإن خطب قاعدا فلا بأس ; لأنها غير واجبة ، فأشبهت صلاة النافلة . وإن خطب على راحلته فحسن .

قال سعيد حدثنا هشيم ، [ ص: 123 ] حدثنا حصين ، حدثنا أبو جميلة ، قال : رأيت عليا صلى يوم عيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، ثم خطب على دابته ، ورأيت عثمان بن عفان يخطب على راحلته ، ورأيت المغيرة بن شعبة يخطب على راحلته .

التالي السابق


الخدمات العلمية