صفحة جزء
( 130 ) مسألة قال : والتسمية عند الوضوء . ظاهر مذهب أحمد رضي الله عنه : أن التسمية مسنونة في طهارة الأحداث كلها . رواه عنه جماعة من أصحابه . وقال الخلال الذي استقرت الروايات عنه أنه لا بأس به . يعني إذا ترك التسمية . وهذا قول الثوري ومالك والشافعي وأبي عبيدة ، وابن المنذر وأصحاب الرأي . وعنه أنها واجبة فيها كلها ; الوضوء ، والغسل ، والتيمم .

وهو اختيار أبي بكر ومذهب الحسن وإسحاق لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه } . رواه أبو داود ، والترمذي ، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه . قال الإمام أحمد : حديث أبي سعيد أحسن حديث في هذا الباب . وقال الترمذي : حديث سعيد بن زيد أحسن . وهذا نفي في نكرة يقتضي أن لا يصح وضوءه بدون التسمية . ووجه الرواية الأولى : أنها طهارة ، فلا تفتقر إلى التسمية ، كالطهارة من النجاسة ، أو عبادة ، فلا تجب فيها التسمية كسائر العبادات ; ولأن الأصل عدم الوجوب ، وإنما ثبت بالشرع والأحاديث ، قال أحمد : ليس يثبت في هذا حديث ، ولا أعلم فيها حديثا له إسناد جيد .

وقال الحسن بن محمد : ضعف أبو عبد الله الحديث في التسمية ، وقال : أقوى شيء فيه حديث كثير بن زيد ، عن ربيح - يعني حديث أبي سعيد - ثم ذكر ربيحا ، أي من هو ؟ ومن أبوه ؟ فقال : يعني الذي يروي حديث سعيد بن زيد . يعني أنهم مجهولون ، وضعف إسناده . وإن صح ذلك فيحمل على تأكيد الاستحباب ونفي الكمال بدونها ، كقوله : { لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد } . ( 131 ) فصل : وإن قلنا بوجوبها فتركها عمدا ، لم تصح طهارته ; لأنه ترك واجبا في الطهارة ، أشبه ما لو ترك النية . وإن تركها سهوا صحت طهارته . نص عليه أحمد في رواية أبي داود فإنه قال .

سألت [ ص: 74 ] أحمد بن حنبل : إذا نسي التسمية في الوضوء ؟ قال : أرجو أن لا يكون عليه شيء . وهذا قول إسحاق فعلى هذا إذا ذكر في أثناء طهارته أتى بها حيث ذكرها ; لأنه لما عفي عنها مع السهو في جملة الوضوء ففي بعضه أولى ، وإن تركها عمدا حتى غسل عضوا لم يعتد بغسله ; لأنه لم يذكر اسم الله عليه مع العمد .

وقال الشيخ أبو الفرج : إذا سمى في أثناء الوضوء أجزأه . يعني على كل حال ; لأنه قد ذكر اسم الله على وضوئه . وقال بعض أصحابنا : لا تسقط بالسهو لعموم الخبر ، وقياسا لها على سائر الواجبات . والأول أولى ; لقوله عليه السلام : { عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان } ; ولأن الوضوء عبادة تتغاير أفعالها ، فكان في واجباتها ما يسقط بالسهو كالصلاة ، ولا يصح قياسها على سائر واجبات الطهارة ; لأن تلك تأكد وجوبها ، بخلاف التسمية .

إذا ثبت هذا فإن التسمية هي قول بسم الله لا يقوم غيرها مقامها ، كالتسمية المشروعة على الذبيحة ، وعند أكل الطعام وشرب الشراب ، وموضعها بعد النية قبل أفعال الطهارة كلها ; لأن التسمية قول واجب في الطهارة ، فيكون بعد النية ، لتشمل النية جميع واجباتها ، وقبل أفعال الطهارة ، ليكون مسميا على جميعها ، كما يسمى على الذبيحة وقت ذبحها .

التالي السابق


الخدمات العلمية