صفحة جزء
( 1494 ) مسألة ; قال أبو القاسم : " ( وإذا تيقن الموت ، وجه إلى القبلة ، وغمضت عيناه ، وشد لحياه ، لئلا يسترخي فكه ، وجعل على بطنه مرآة أو غيرها ; لئلا يعلو بطنه ) قوله : " إذا تيقن الموت " يحتمل أنه أراد حضور الموت ; لأن التوجيه إلى القبلة يستحب تقديمه على الموت ، واستحبه عطاء ، والنخعي ، ومالك ، وأهل المدينة ، والأوزاعي ، وأهل الشام ، وإسحاق ، وأنكره سعيد بن المسيب ، فإنهم لما أرادوا أن يحولوه إلى القبلة ، قال : ما لكم ؟ قالوا : نحولك إلى القبلة .

قال : ألم أكن على القبلة إلى يومي هذا ؟ والأول أولى ; لأن حذيفة قال : وجهوني . ولأن فعلهم ذلك بسعيد دليل على أنه كان مشهورا بينهم ، يفعله المسلمون كلهم بموتاهم ، ولأن خير المجالس ما استقبل به القبلة . ويحتمل أن الخرقي أراد تيقن وجود الموت ، لأن سائر ما ذكره إنما يفعل بعد الموت ، وهو تغميض الميت ، فإنه يسن عقيب الموت ; لما روي عن أم سلمة ، قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره ، فأغمضه ، ثم قال { : إن الروح إذا قبض تبعه البصر . فضج الناس من أهله ، فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون . ثم قال : اللهم اغفر لأبي سلمة ، وارفع درجته في المهديين المقربين ، واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا [ ص: 162 ] وله يا رب العالمين ، وأفسح له في قبره ، ونور له فيه } . أخرجه مسلم

. وروى شداد بن أوس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : إذا حضرتم موتاكم ، فأغمضوا البصر ، فإن البصر يتبع الروح ، وقولوا خيرا ; فإنه يؤمن على ما قال أهل الميت } . رواه أحمد ، في " المسند " . وروي أن عمر رضي الله عنه قال لابنه حين حضرته الوفاة : ادن مني ، فإذا رأيت روحي قد بلغت لهاتي ، فضع كفك اليمنى على جبهتي ، واليسرى تحت ذقني ، وأغمضني .

ويستحب شد لحييه بعصابة عريضة ، يربطها من فوق رأسه ; لأن الميت إذا كان مفتوح العينين والفم ، فلم يغمض حتى يبرد ، بقي مفتوحا ، فيقبح منظره ، ولا يؤمن دخول الهوام فيه ، والماء في وقت غسله . وقال بكر بن عبد الله المزني : ويقول الذي يغمضه : بسم الله ، وعلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويجعل على بطنه شيء من الحديد ، كمرآة أو غيرها ; لئلا ينتفخ بطنه ، فإن لم يكن شيء من الحديد فطين مبلول . ويستحب أن يلي ذلك منه أرفق الناس به ، بأرفق ما يقدر عليه .

قال أحمد : تغمض المرأة عينيه إذا كانت ذات محرم له . وقال : يكره للحائض والجنب تغميضه ، وأن تقرباه . وكره ذلك علقمة . وروي نحوه عن الشافعي . وكره الحسن ، وابن سيرين ، وعطاء ، أن يغسل الحائض والجنب الميت . وبه قال مالك . وقال إسحاق ، وابن المنذر : يغسله الجنب ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : المؤمن ليس بنجس } .

ولا نعلم بينهم اختلافا في صحة تغسيلهما وتغميضهما له ، ولكن الأولى أن يكون المتولي لأموره ، في تغميضه وتغسيله ، طاهرا لأنه أكمل وأحسن

التالي السابق


الخدمات العلمية