صفحة جزء
( 1639 ) مسألة ; قال : ( والمحرم يغسل بماء وسدر ، ولا يقرب طيبا ، ويكفن في ثوبيه ، ولا يغطى رأسه ، ولا رجلاه ) إنما كان كذلك لأن المحرم لا يبطل حكم إحرامه بموته ، فلذلك جنب ما يجنبه المحرم من الطيب ، وتغطية الرأس ، ولبس المخيط ، وقطع الشعر . روي ذلك عن عثمان ، وعلي ، وابن عباس . وبه قال عطاء ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق . وقال مالك ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة : يبطل إحرامه بالموت ، ويصنع به كما يصنع بالحلال .

وروي ذلك عن عائشة ، وابن عمر ، وطاوس ; لأنها عبادة شرعية ، فبطلت بالموت ، كالصلاة والصيام . ولنا ، ما روى ابن عباس ، { أن رجلا وقصه بعيره ، ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبين ، ولا تمسوه طيبا ، ولا تخمروا رأسه ، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبدا . } وفي رواية " ملبيا " . متفق عليه .

فإن قيل : هذا خاص له ; لأنه يبعث يوم القيامة ملبيا . قلنا : حكم النبي صلى الله عليه وسلم في واحد حكمه في مثله ، إلا أن يرد تخصيصه ، ولهذا ثبت حكمه في شهداء أحد في سائر الشهداء ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { حكمي على الواحد حكمي على الجماعة . } قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول : في هذا الحديث [ ص: 209 ] خمس سنن ; كفنوه في ثوبيه ، أي يكفن في ثوبين . وأن يكون في الغسلات كلها سدر ، ولا تخمروا رأسه ، ولا تقربوه طيبا ، ويكون الكفن من جميع المال . وقال أحمد في موضع : يصب عليه الماء صبا ، ولا يغسل كما يغسل الحلال .

وإنما كره عرك رأسه ، ومواضع الشعر ، كي لا يتقطع شعره . واختلف عنه في تغطية رجليه ، فروى حنبل عنه : لا تغطى رجلاه . وهو الذي ذكره الخرقي . وقال الخلال : لا أعرف هذا في الأحاديث ، ولا رواه أحد عن أبي عبد الله غير حنبل ، وهو عندي وهم من حنبل ، والعمل على أنه يغطى جميع المحرم ، إلا رأسه ، لأن إحرام الرجل في رأسه ، ولا يمنع من تغطية رجليه في حياته ، فكذلك في مماته .

واختلفوا عن أحمد في تغطية وجهه ، فنقل عنه إسماعيل بن سعيد : لا يغطى وجهه ; لأن في بعض الحديث : { ولا تخمروا رأسه ولا وجهه } . ونقل عنه سائر أصحابه : لا بأس بتغطية وجهه ; لحديث ابن عباس الذي رويناه ، وهو أصح ما روي فيه ، وليس فيه إلا المنع من تغطية الرأس ، ولأن إحرام الرجل في رأسه ، ولا يمنع من تغطية وجهه في الحياة ، فبعد الموت أولى ، ولم ير أن يلبس المحرم المخيط بعد موته ، كما لا يلبسه في حياته . وإن كان الميت امرأة محرمة ، ألبست القميص ، وخمرت ، كما تفعل ذلك في حياتها ، ولم تقرب طيبا ; لأنه يحرم عليها في حياتها ، فكذلك بعد موتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية