صفحة جزء
( 1670 ) مسألة ; قال : ( ولا يصلي الإمام على الغال من الغنيمة ، ولا على من قتل نفسه ) الغال : هو الذي يكتم غنيمته أو بعضها ، ليأخذه لنفسه ، ويختص به . فهذا لا يصلي عليه الإمام ، ولا على من قتل نفسه متعمدا . ويصلي عليهما سائر الناس . نص عليهما أحمد . وقال عمر بن عبد العزيز ، والأوزاعي : لا يصلى على قاتل نفسه بحال ; لأن من لا يصلي عليه الإمام لا يصلي عليه غيره ، كشهيد المعركة .

وقال عطاء ، والنخعي ، والشافعي : يصلي الإمام وغيره على كل مسلم ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { صلوا على من قال لا إله إلا الله } . رواه الخلال بإسناده . [ ص: 219 ] ولنا ما روى جابر بن سمرة ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءوه برجل قتل نفسه بمشاقص ، فلم يصل عليه } . رواه مسلم . وروى أبو داود { أن رجلا انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره عن رجل أنه قد مات ، قال : وما يدريك ؟ قال : رأيته ينحر نفسه بمشاقص ، قال : أنت رأيته ؟ قال : نعم ، قال : إذا لا أصلي عليه } .

وروى زيد بن خالد الجهني ، قال : { توفي رجل من جهينة يوم خيبر ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : صلوا على صاحبكم . فتغيرت وجوه القوم ، فلما رأى ما بهم قال : إن صاحبكم غل من الغنيمة } . احتج به أحمد . واختص هذا الامتناع بالإمام ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما امتنع من الصلاة على الغال ، قال : { صلوا على صاحبكم } . وروي أنه أمر بالصلاة على قاتل نفسه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام ، فألحق به من ساواه في ذلك ، ولا يلزم من ترك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ترك صلاة غيره ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بدء الإسلام لا يصلي على من عليه دين لا وفاء له ، ويأمرهم بالصلاة عليه . فإن قيل : هذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم ; لأن صلاته سكن . قلنا : ما ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق غيره ، ما لم يقم على اختصاصه دليل . فإن قيل : فقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على من عليه دين . قلنا : ثم صلى عليه بعد ، فروى أبو هريرة ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين ، فيقول : هل ترك لدينه من وفاء ؟ . فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه ، وإلا قال للمسلمين : صلوا على صاحبكم فلما فتح الله الفتوح قام فقال : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن توفي من المؤمنين ، وترك دينا ، علي قضاؤه ، ومن ترك مالا فللورثة . } قال الترمذي : هذا حديث صحيح .

ولولا النسخ كان كمسألتنا ، وهذه الأحاديث خاصة ، فيجب تقديمها على قوله : صلى الله عليه وسلم { صلوا على من قال لا إله إلا الله } . على أنه لا تعارض بين الخبرين ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة على هذين ، وأمر بالصلاة عليهما ، فلم يكن أمره بالصلاة عليهما منافيا لتركه الصلاة عليهما ، كذلك أمره بالصلاة على من قال لا إله إلا الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية