صفحة جزء
( 1692 ) مسألة : قال أبو القاسم رحمه الله تعالى : ( وليس فيما دون خمس من الإبل سائمة صدقة ) . بدأ الخرقي ، رحمه الله ، بذكر صدقة الإبل ; لأنها أهم ، فإنها أعظم النعم قيمة وأجساما ، وأكثر أموال العرب ، فالاهتمام بها أولى ، ووجوب زكاتها مما أجمع عليه علماء الإسلام ، وصحت فيه السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ومن [ ص: 230 ] أحسن ما روي في ذلك ، ما رواه البخاري في " صحيحه " ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس ، أن أنسا حدثه ، أن أبا بكر الصديق ، كتب له هذا الكتاب ، لما وجه إلى البحرين : بسم الله الرحمن الرحيم . هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ، والتي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فمن سئلها على وجهها من المسلمين فليعطها ، ومن سئل فوقها فلا يعط : " في أربع وعشرين فما دونها من الإبل في كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ، ففيها بنت مخاض أنثى ، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ، ففيها بنت لبون أنثى ، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ، ففيها حقة طروقة الجمل ، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ، ففيها جذعة ، فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ، ففيها ابنتا لبون ، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ، ففيها حقتان طروقتا الفحل ، فإذا زادت على عشرين ومائة ، ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة ، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل ، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها ، فإذا بلغت خمسا من الإبل ، ففيها شاة " . وذكر تمام الحديث نذكره إن شاء الله تعالى في أبوابه ، ورواه أبو داود ، في " سننه " ، وزاد : " وإذا بلغت خمسا وعشرين ، ففيها بنت مخاض ، إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين ، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض ، ففيها ابن لبون ذكر " . وهذا كله مجمع عليه إلى أن يبلغ عشرين ومائة ، ذكره ابن المنذر . قال : ولا يصح عن علي رضي الله عنه ما روي عنه في خمس وعشرين . يعني ما حكي عنه في خمس وعشرين خمس شياه . وقول الصديق رضي الله عنه : التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم . يعني قدر ، والتقدير يسمى فرضا ، ومنه فرض الحاكم للمرأة فرضا . وقوله : ومن سئل فوقها فلا يعط . يعني لا يعطي فوق الفرض . وأجمع المسلمون على أن ما دون خمس من الإبل لا زكاة فيه . وقال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : { ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل ، فليس عليه فيها صدقة إلا أن يشاء ربها } . وقال : { ليس فيما دون خمس ذود صدقة } . متفق عليه .

والسائمة : الراعية ، وقد سامت تسوم سوما : إذا رعت ، وأسمتها إذا رعيتها ، وسومتها : إذا جعلتها سائمة ، ومنه قول الله تعالى : { ومنه شجر فيه تسيمون } أي ترعون . وفي ذكر السائمة احتراز من المعلوفة والعوامل ; فإنه لا زكاة فيها عند أكثر أهل العلم . وحكي عن مالك أن في الإبل النواضح والمعلوفة الزكاة ; لعموم قوله عليه السلام : { في كل خمس شياه } .

قال أحمد : ليس في العوامل زكاة ، وأهل المدينة يرون فيها الزكاة ، وليس عندهم في هذا أصل . ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { في كل سائمة في كل أربعين بنت لبون } . في حديث بهز بن حكيم ، فقيده بالسائمة ، فدل على أنه لا زكاة في غيرها ، وحديثهم مطلق ، فيحمل على المقيد ، ولأن وصف النماء معتبر في الزكاة ، والمعلوفة يستغرق علفها نماءها ، إلا أن يعدها للتجارة ، فيكون فيها زكاة التجارة .

( 1693 ) مسألة : قال : ( فإذا ملك خمسا من الإبل ، فأسامها أكثر السنة ، ففيها شاة ، وفي العشر شاتان ، وفي الخمس عشرة ثلاث شياه ، وفي العشرين أربع شياه ) وهذا كله مجمع عليه ، وثابت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رويناه وغيره ، إلا قوله : " فأسامها أكثر السنة " .

فإن [ ص: 231 ] مذهب إمامنا ومذهب أبي حنيفة أنها إذا كانت سائمة أكثر السنة ففيها الزكاة . وقال الشافعي : إن لم تكن سائمة في جميع الحول فلا زكاة فيها ; لأن السوم شرط في الزكاة ، فاعتبر في جميع الحول ، كالملك وكمال النصاب ، ولأن العلف يسقط والسوم يوجب ، فإذا اجتمعا غلب الإسقاط ، كما لو ملك نصابا بعضه سائمة وبعضه معلوفة .

ولنا عموم النصوص الدالة على وجوب الزكاة في نصب الماشية ، واسم السوم لا يزول بالعلف اليسير ، فلا يمنع دخولها في الخبر ، ولأنه لا يمنع حقه للمؤنة ، فأشبهت السائمة في جميع الحول ، ولأن العلف اليسير لا يمكن التحرز منه فاعتباره في جميع الحول يسقط الزكاة بالكلية ، سيما عند من يسوغ له الفرار من الزكاة ، فإنه إذا أراد إسقاط الزكاة علفها يوما فأسقطها ، ولأن هذا وصف معتبر في رفع الكلفة فاعتبر فيه الأكثر ، كالسقي بما لا كلفة في الزرع والثمار .

وقولهم " السوم شرط " يحتمل أن يمنع . ونقول : بل العلف إذا وجد في نصف الحول فما زاد مانع ، كما أن السقي بكلفة مانع من وجوب العشر ، ولا يكون مانعا حتى يوجد في النصف فصاعدا ، كذا في مسألتنا ، وإن سلمنا كونه شرطا فيجوز أن يكون شرط وجوده في أكثر الحول ، كالسقي بما لا كلفة فيه شرط في وجوب العشر ، ويكتفى بوجوده في الأكثر ، ويفارق ما إذا كان في بعض النصاب معلوف ; لأن النصاب سبب للوجوب ، فلا بد من وجود الشرط في جميعه ، وأما الحول فإنه شرط الوجوب ، فجاز أن يعتبر الشرط في أكثره .

التالي السابق


الخدمات العلمية