صفحة جزء
( 1737 ) فصل : ولا زكاة في غير بهيمة الأنعام من الماشية ، في قول أكثر أهل العلم . وقال أبو حنيفة في الخيل الزكاة ، إذا كانت ذكورا وإناثا ، وإن كانت ذكورا مفردة ، أو إناثا مفردة ، ففيها روايتان ، وزكاتها دينار عن كل فرس ، أو ربع عشر قيمتها ، والخيرة في ذلك إلى صاحبها ، أيهما شاء أخرج ; لما روى جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 255 ] قال : { في الخيل السائمة ، في كل فرس دينار . }

وروي عن عمر أنه كان يأخذ من الرأس عشرة ، ومن الفرس عشرة ، ومن البرذون خمسة . ولأنه حيوان يطلب نماؤه من جهة السوم ، أشبه النعم . ولنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم { قال : ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة . } متفق عليه . وفي لفظ { : ليس على الرجل في فرسه ولا في عبده صدقة . } وعن علي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق . } رواه الترمذي .

وهذا هو الصحيح . وروى أبو عبيد ، في " الغريب " ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { : ليس في الجبهة ، ولا في النخة ، ولا في الكسعة صدقة . } وفسر الجبهة بالخيل ، والنخة بالرقيق ، والكسعة بالحمير . وقال الكسائي : النخة : بضم النون : البقر العوامل .

ولأن ما لا زكاة في ذكوره المفردة ، وإناثه المفردة ، لا زكاة فيهما إذا اجتمعا ، كالحمير . ولأن ما لا يخرج زكاته من جنسه من السائمة لا تجب فيه ، كسائر الدواب ، ولأن الخيل دواب ، فلا تجب الزكاة فيها ، كسائر الدواب ، ولأنها ليست من بهيمة الأنعام ، فلم تجب زكاتها ، كالوحوش .

وحديثهم يرويه غورك السعدي ، وهو ضعيف . وأما عمر فإنما أخذ منهم شيئا تبرعوا به ، وسألوه أخذه ، وعوضهم عنه برزق عبيدهم ، فروى الإمام أحمد ، بإسناده عن حارثة ، قال : جاء ناس من أهل الشام إلى عمر فقالوا : إنا قد أصبنا مالا وخيلا ورقيقا ، نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور . قال : ما فعله صاحباي قبلي ، فأفعله فاستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم علي فقال : هو حسن إن لم يكن جزية يؤخذون بها من بعدك . قال أحمد : فكان عمر يأخذ منهم ، ثم يرزق عبيدهم ، .

فصار حديث عمر حجة عليهم من وجوه ; أحدها ، قوله : ما فعله صاحباي . يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ، ولو كان واجبا لما تركا فعله . الثاني ، أن عمر امتنع من أخذها ، ولا يجوز له أن يمتنع من الواجب . الثالث ، قول علي : هو حسن إن لم يكن جزية يؤخذون بها من بعدك .

فسمى جزية إن أخذوا بها ، وجعل حسنه مشروطا بعدم أخذهم به ، فيدل على أن أخذهم بذلك غير جائز . الرابع ، استشارة عمر أصحابه في أخذه ، ولو كان واجبا لما احتاج إلى الاستشارة . الخامس ، أنه لم يشر عليه بأخذه أحد سوى علي بهذا الشرط الذي ذكره ، ولو كان واجبا لأشاروا به . السادس ، أن عمر عوضهم عنه رزق عبيدهم ، والزكاة لا يؤخذ عنها عوض

ولا يصح قياسها على النعم ; لأنها يكمل نماؤها ، وينتفع بدرها ولحمها ، ويضحى بجنسها ، وتكون هديا ، وفدية عن محظورات الإحرام ، وتجب الزكاة من عينها ، ويعتبر كمال نصابها ، ولا يعتبر قيمتها ، والخيل بخلاف ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية