صفحة جزء
( 1755 ) مسألة : قال : ( ومن قدم زكاة ماله ، فأعطاها لمستحقها ، فمات المعطى قبل الحول ، أو بلغ الحول وهو غني منها ، أو من غيرها ، أجزأت عنه ) . وجملة ذلك أنه إذا دفع الزكاة المعجلة إلى مستحقها ، لم يخل من أربعة أقسام : أحدها ، أن لا يتغير الحال ، فإن المدفوع يقع موقعه ، ويجزئ عن المزكي ، ولا يلزمه بدله ، ولا له استرجاعه ، كما لو دفعها بعد وجوبها .

الثاني : أن يتغير حال الآخذ لها ، بأن يموت قبل الحول ، أو يستغني ، أو يرتد قبل الحول . فهذا في حكم القسم الذي قبله ، وبهذا قال أبو حنيفة .

وقال الشافعي لا يجزئ ; لأن ما كان شرطا للزكاة إذا عدم قبل الحول لم يجز ، كما لو تلف المال ، أو مات ربه . ولنا ، أنه أدى الزكاة إلى مستحقها ، فلم يمنع الإجزاء تغير حاله ، كما لو استغنى بها ، ولأنه حق أداه إلى مستحقه ، فبرئ منه ، كالدين يعجله قبل أجله ، وما ذكروه منتقض بما إذا استغنى بها ، والحكم في الأصل ممنوع ، ثم الفرق بينهما ظاهر ، فإن المال إذا تلف تبين عدم الوجوب ; فأشبه ما لو أدى إلى غريمه دراهم يظنها عليه ، فتبين أنها ليست عليه ، وكما لو أدى الضامن الدين ، فبان أن المضمون عنه قد قضاه ، وفي مسألتنا الحق واجب ، وقد أخذه مستحقه .

القسم الثالث ، أن يتغير حال رب المال قبل الحول بموته أو ردته ، أو تلف النصاب ، أو نقصه ، أو بيعه ، فقال أبو بكر : لا يرجع بها على الفقير ، سواء أعلمه أنها زكاة معجلة أو لم يعلمه .

وقال القاضي : وهو المذهب عندي ; لأنها وصلت إلى الفقير فلم يكن له ارتجاعها ، كما لو لم يعلمه ، ولأنها زكاة دفعت إلى مستحقها ، فلم يجز استرجاعها ، كما لو تغير حال الفقير وحده . قال أبو عبد الله بن حامد : إن كان الدافع لها [ ص: 264 ] الساعي ، استرجعها بكل حال ، وإن كان الدافع رب المال ، وأعلمه أنها زكاة معجلة ، رجع بها ، وإن أطلق لم يرجع بها .

وهذا مذهب الشافعي ; لأنه مال دفعه عما يستحقه القابض في الثاني ; فإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق ، وجب رده ، كالأجرة إذا انهدمت الدار قبل السكنى ، أما إذا لم يعلمه فيحتمل أن يكون تطوعا ويحتمل أن يكون هبة ، فلم يقبل قوله في الرجوع ، فعلى قول ابن حامد إن كانت العين باقية لم تتغير ، أخذها ، وإن زادت زيادة متصلة ، أخذها بزيادتها ; لأنها تمنع في الفسوخ ، وإن كانت منفصلة ، أخذها دون زيادتها ; لأنها حدثت في ملك الفقير .

وإن كانت ناقصة ، رجع على الفقير بالنقص ; لأن الفقير قد ملكها بالنقص ; فكان نقصها عليه ، كالمبيع إذا نقص في يد المشتري ، ثم علم عيبه . وإن كانت تالفة أخذ قيمتها يوم القبض ; لأن ما زاد بعد ذلك أو نقص فإنما هو في ملك الفقير ، فلم يضمنه ، كالصداق يتلف في يد المرأة . القسم الرابع ، أن يتغير حالهما جميعا ، فحكمه حكم القسم الذي قبله سواء .

التالي السابق


الخدمات العلمية