صفحة جزء
( 1758 ) مسألة : قال : ( ولا يجوز إخراج الزكاة إلا بنية ) . إلا أن يأخذها الإمام منه قهرا . مذهب عامة الفقهاء أن النية شرط في أداء الزكاة ، إلا ما حكي عن الأوزاعي أنه قال : لا تجب لها النية ، لأنها دين فلا تجب لها النية ، كسائر الديون ، ولهذا يخرجها ولي اليتيم ، ويأخذها السلطان من الممتنع .

ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { إنما الأعمال بالنيات } وأداؤها عمل ، ولأنها عبادة تتنوع إلى فرض ونفل ، فافتقرت إلى النية كالصلاة ، وتفارق قضاء الدين ; فإنه ليس بعبادة ، ولهذا يسقط بإسقاط مستحقه ، وولي الصبي والسلطان [ ص: 265 ] ينوبان عند الحاجة . فإذا ثبت هذا فإن النية أن يعتقد أنها زكاته ، أو زكاة من يخرج عنه . كالصبي والمجنون ، ومحلها القلب ; لأن محل الاعتقادات كلها القلب .

( 1759 ) فصل : ويجوز تقديم النية على الأداء بالزمن اليسير ، كسائر العبادات ; ولأن هذه تجوز النيابة فيها ، فاعتبار مقارنة النية للإخراج يؤدي إلى التغرير بماله ، فإن دفع الزكاة إلى وكيله ، ونوى هو دون الوكيل ، جاز إذا لم تتقدم نيته الدفع بزمن طويل . وإن تقدمت بزمن طويل لم يجز ، إلا أن يكون قد نوى حال الدفع إلى الوكيل ، ونوى الوكيل عند الدفع إلى المستحق ، ولو نوى الوكيل ولم ينو الموكل لم يجز ; لأن الفرض يتعلق به ، والإجزاء يقع عنه .

وإن دفعها إلى الإمام ناويا ولم ينو الإمام حال دفعها إلى الفقراء ، جاز ، وإن طال ; لأنه وكيل الفقراء . ولو تصدق الإنسان بجميع ماله تطوعا ولم ينو به الزكاة ، لم يجزئه . وبهذا قال الشافعي . وقال أصحاب أبي حنيفة : يجزئه استحبابا ولا يصح ; لأنه لم ينو به الفرض ، فلم يجزئه ، كما لو تصدق ببعضه ، وكما لو صلى مائة ركعة ولم ينو الفرض بها .

( 1760 ) فصل : ولو كان له مال غائب فشك في سلامته ، جاز له إخراج الزكاة عنه ، وكانت نية الإخراج صحيحة ; لأن الأصل بقاؤه . فإن نوى إن كان مالي سالما فهذه زكاته ، وإن كان تالفا فهي تطوع . فبان سالما ، أجزأت نيته ; لأنه أخلص النية للفرض ، ثم رتب عليها النفل ، وهذا حكمها كما لو لم يقله ، فإذا قاله لم يضر .

ولو قال : هذا زكاة مالي الغائب أو الحاضر . صح ; لأن التعيين ليس بشرط ، بدليل أن من له أربعون دينارا إذا أخرج نصف دينار عنها ، صح ، وإن كان ذلك يقع عن عشرين غير معينة . وإن قال : هذا زكاة مالي الغائب أو تطوع . لم يجزئه ذكره أبو بكر لأنه لم يخلص النية للفرض .

أشبه ما لو قال : أصلي فرضا أو تطوعا . وإن قال : هذا زكاة مالي الغائب إن كان سالما وإلا فهو زكاة مالي الحاضر . أجزأه عن السالم منهما . وإن كانا سالمين فعن أحدهما ، لأن التعيين ليس بشرط . وإن قال : زكاة مالي الغائب . وأطلق ، فبان تالفا ، لم يكن له أن يصرفه إلى زكاة غيره ; لأنه عينه ، فأشبه ما لو أعتق عبدا عن كفارة عينها فلم يقع عنها ، لم يكن له صرفه إلى كفارة أخرى .

هذا التفريع فيما إذا كانت المعينة مما لا يمنع إخراج زكاته في بلد رب المال ; إما لقربه ، أو لكون البلد لا يوجد فيه أهل السهمان ، أو على الرواية التي تقول بإخراجها في بلد بعيد من بلد المال . وإن كان له مورث غائب فقال : إن كان مورثي قد مات ، فهذه زكاة ماله الذي ورثته منه ، فبان ميتا ، لم يجزئه ما أخرج ; لأنه يبني على غير أصل ، فهو كما لو قال ليلة الشك : إن كان غدا من رمضان فهو فرضي ، وإن لم يكن فهو نفل .

التالي السابق


الخدمات العلمية