صفحة جزء
( 1761 ) مسألة : قال : ( إلا أن يأخذها الإمام منه قهرا ) . مقتضى كلام الخرقي ، أن الإنسان متى دفع زكاته طوعا لم تجزئه إلا بنية ، سواء دفعها إلى الإمام أو غيره ، وإن أخذها الإمام منه قهرا ، أجزأت من غير نية ; لأن تعذر النية في حقه أسقط وجوبها عنه كالصغير والمجنون . وقال القاضي : متى أخذها الإمام أجزأت من غير نية ، سواء أخذها طوعا أو كرها .

وهذا قول الشافعي ; لأن أخذ الإمام بمنزلة القسم بين الشركاء ، فلم يحتج إلى نية ، ولأن للإمام ولاية في أخذها ، ولذلك يأخذها من الممتنع اتفاقا [ ص: 266 ] ولو لم يجزئه لما أخذها ، أو لأخذها ثانيا وثالثا حتى ينفد ماله ; لأن أخذها إن كان لإجزائها فلا يحصل الإجزاء بدون النية ، وإن كان لوجوبها فالوجوب باق بعد أخذها .

واختار أبو الخطاب وابن عقيل : أنها لا تجزئ فيما بينه وبين الله تعالى إلا بنية رب المال ; لأن الإمام إما وكيله ، وإما وكيل الفقراء ، أو وكيلهما معا ، وأي ذلك كان فلا تجزئ نيته عن نية رب المال ، ولأن الزكاة عبادة تجب لها النية ، فلا تجزئ عمن وجبت عليه بغير نية ، إن كان من أهل النية كالصلاة ، وإنما أخذت منه مع عدم الإجزاء حراسة للعلم الظاهر كالصلاة يجبر عليها ليأتي بصورتها ، ولو صلى بغير نية لم يجزئه عند الله تعالى .

قال ابن عقيل : ومعنى قول الفقهاء : يجزئ عنه . أي في الظاهر ، بمعنى أنه لا يطالب بأدائها ثانيا ، كما قلنا في الإسلام ، فإن المرتد يطالب بالشهادة ، فمتى أتى بها حكم بإسلامه ظاهرا ، ومتى لم يكن معتقدا صحة ما يلفظ به ، لم يصح إسلامه باطنا . قال : وقول أصحابنا : لا تقبل توبة الزنديق .

معناه : لا يسقط عنه القتل الذي توجه عليه ; لعدم علمنا بحقيقة توبته ; لأن أكثر ما فيه أنه أظهر إيمانه ، وقد كان دهره يظهر إيمانه ، ويستر كفره ، فأما عند الله عز وجل فإنها تصح إذا علم منه حقيقة الإنابة ، وصدق التوبة ، واعتقاد الحق ومن نصر قول الخرقي ، قال : إن للإمام ولاية على الممتنع ، فقامت نيته مقام نيته ، كولي اليتيم والمجنون ، وفارق الصلاة ; فإن النيابة فيها لا تصح ، فلا بد من نية فاعلها .

وقوله : لا يخلو من كونه وكيلا له ، أو وكيلا للفقراء ، أو لهما . قلنا : بل هو وال على المالك ، وأما إلحاق الزكاة بالقسمة فغير صحيح ، فإن القسمة ليست عبادة ، ولا يعتبر لها نية ، بخلاف الزكاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية