صفحة جزء
( 1771 ) فصل : وليس لمخرج الزكاة شراؤها ممن صارت إليه . وروي ذلك عن الحسن وهو قول قتادة ومالك قال أصحاب مالك : فإن اشتراها لم ينقض البيع . وقال الشافعي وغيره : يجوز لقول النبي : صلى الله عليه وسلم { لا تحل الصدقة لغني ، إلا لخمسة ; رجل ابتاعها بماله }

وروى سعيد ، في " سننه " { أن رجلا تصدق على أمه بصدقة ثم ماتت ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قد قبل الله صدقتك ، وردها إليك الميراث . } وهذا في معنى شرائها . ولأن ما صح أن يملك إرثا ، صح أن يملك ابتياعا ، كسائر الأموال . ولنا ، ما روى عمر ، { أنه قال : حملت على فرس في سبيل الله ، فأضاعه الذي كان عنده ، وظننت أنه بائعه برخص ، فأردت أن أشتريه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا تبتعه ، ولا تعد في صدقتك ولو أعطاكه بدرهم ; فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه } متفق عليه .

فإن قيل : يحتمل أنها كانت حبيسا في سبيل الله فمنعه لذلك . قلنا : لو كانت حبيسا لما باعها الذي هي في يده ، ولا هم عمر بشرائها ، بل كان ينكر على البائع ويمنعه ، فإنه لم يكن يقر على منكر ، فكيف يفعله ، ويعين عليه . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ما أنكر بيعها ، إنما أنكر على عمر الشراء ، معللا بكونه عائدا في الصدقة .

الثاني ، أننا نحتج بعموم اللفظ من غير نظر إلى خصوص السبب ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تعد في صدقتك } أي بالشراء فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه . والأخذ بعموم اللفظ أولى من التمسك بخصوص السبب .

فإن قيل : فإن اللفظ لا يتناول الشراء فإن العود في الصدقة ارتجاعها بغير عوض ، وفسخ للعقد ، كالعود في الهبة ، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم { العائد في هبته كالعائد في قيئه . } ولو وهب إنسانا شيئا ، ثم اشتراه منه ، جاز . قلنا : النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك جوابا لعمر حين سأله عن شراء الفرس ، فلو لم يكن اللفظ متناولا للشراء المسئول عنه لم يكن مجيبا له ، ولا يجوز إخراج خصوص [ ص: 272 ] السبب من عموم اللفظ ; لئلا يخلو السؤال عن الجواب ، وقد روي عن جابر أنه قال : إذا جاء المصدق فادفع إليه صدقتك ، ولا تشترها ، فإنهم كانوا يقولون : ابتعها فأقول : إنما هي لله .

وعن ابن عمر أنه قال : لا تشتر طهور مالك . ولأن في شرائه لها وسيلة إلى استرجاع شيء منها ; لأن الفقير يستحي منه ، فلا يماكسه في ثمنها ، وربما رخصها له طمعا في أن يدفع إليه صدقة أخرى ، وربما علم أنه إن لم يبعه إياها استرجعها منه أو توهم ذلك ، وما هذا سبيله ينبغي أن يجتنب ، كما لو شرط عليه أن يبيعه إياها . وهو أيضا ذريعة إلى إخراج القيمة ، وهو ممنوع من ذلك .

أما حديثهم فنقول به ، وأنها ترجع إليه بالميراث وليس هذا محل النزاع . قال ابن عبد البر كل العلماء يقولون : إذا رجعت إليه بالميراث طابت له ، إلا ابن عمر والحسن بن حي . وليس البيع في معنى الميراث ; لأن الملك ثبت بالميراث حكما بغير اختياره ، وليس بوسيلة إلى شيء مما ذكرنا ، والحديث الآخر مرسل ، وهو عام ، وحديثنا خاص صحيح ، فالعمل به أولى من كل وجه .

( 1772 ) فصل : فإن دعت الحاجة إلى شراء صدقته ، مثل أن يكون الفرض جزءا من حيوان لا يمكن الفقير الانتفاع بعينه ، ولا يجد من يشتريه سوى المالك لباقيه ، ولو اشتراه غيره لتضرر المالك بسوء المشاركة ، أو إذا كان الواجب في ثمرة النخل والكرم عنبا ورطبا ، فاحتاج الساعي إلى بيعها قبل الجذاذ ، فقد ذكر القاضي أنه يجوز بيعها من رب المال في هذا الموضع . وكذلك يجيء في الصورة الأولى ، وفي كل موضع دعت الحاجة إلى شرائه لها ; لأن المنع من الشراء في محل الوفاق إنما كان لدفع الضرر عن الفقير ، والضرر عليه في منع البيع هاهنا أعظم ، فدفعه بجواز البيع أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية