صفحة جزء
( 1781 ) فصل : فأما بنو المطلب ، فهل لهم الأخذ من الزكاة ؟ على روايتين : إحداهما ليس لهم ذلك . نقلها عبد الله بن أحمد وغيره ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام ، إنما نحن وهم شيء واحد } . وفي لفظ رواه الشافعي في " مسنده " : { : إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد } . وشبك بين أصابعه .

ولأنهم يستحقون من خمس الخمس فلم يكن لهم الأخذ كبني هاشم ، وقد أكد ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم علل منعهم الصدقة باستغنائهم عنها بخمس الخمس ، فقال : { أليس في خمس الخمس ما يغنيكم ؟ } . والرواية الثانية ، لهم الأخذ منها . وهو قول أبي حنيفة لأنهم دخلوا في عموم قوله تعالى { : إنما الصدقات للفقراء والمساكين } . الآية .

لكن خرج بنو هاشم ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد } ، فيجب أن يختص المنع بهم ، ولا يصح قياس بني المطلب على بني هاشم ; لأن بني هاشم أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأشرف ، وهم آل النبي صلى الله عليه وسلم ; ومشاركة بني المطلب لهم في خمس الخمس ما استحقوه بمجرد القرابة ، بدليل أن بني عبد شمس وبني نوفل يساوونهم في القرابة ، ولم يعطوا شيئا ، وإنما شاركوهم بالنصرة ، أو بهما جميعا ، والنصرة لا تقتضي منع الزكاة .

( 1782 ) فصل وروى الخلال ، بإسناده عن ابن أبي مليكة ، أن خالد بن سعيد بن العاص بعث إلى [ ص: 275 ] عائشة سفرة من الصدقة . فردتها ، وقالت : إنا آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحل لنا الصدقة . وهذا يدل على تحريمها على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( 1783 ) فصل : وظاهر قول الخرقي هاهنا ، أن ذوي القربى يمنعون الصدقة ، وإن كانوا عاملين ، وذكر في باب قسم الفيء والصدقة ما يدل على إباحة الأخذ لهم عمالة . وهو قول أكثر أصحابنا ; لأن ما يأخذونه أجر ، فجاز لهم أخذه ، كالحمال وصاحب المخزن إذا أجرهم مخزنه . ولنا ، حديث أبي رافع وقد ذكرناه ، وما روى مسلم بإسناده ، { أنه اجتمع ربيعة بن الحارث ، والعباس بن عبد المطلب ، فقالا : والله لو بعثنا هذين الغلامين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه ، فأمرهما على هذه الصدقات ، فأديا ما يؤدي الناس ، وأصابا ما يصيب الناس ؟ فبينما هما في ذلك إذ جاء علي بن أبي طالب ، فوقف عليهما ، فذكرا له ذلك ، قال علي : لا تفعلا . فوالله ما هو بفاعل فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال : والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا . قال : فألقى علي رداءه ، ثم اضطجع ، ثم قال : أنا أبو الحسن . والله لا أريم مكاني حتى يرجع إليكما ابناكما بخبر ما بعثتما به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكر الحديث إلى أن قال : فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : يا رسول الله ، أنت أبو الناس ، وأوصل الناس ، وقد بلغنا النكاح ، فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات ، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ، ونصيب كما يصيبون . فسكت طويلا ثم قال : إن هذه الصدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس . وفي لفظ أنه قال : إن الصدقة إنما هي أوساخ الناس ، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد } .

( 1784 ) فصل : ويجوز لذوي القربى الأخذ من صدقة التطوع .

قال أحمد ، في رواية ابن القاسم : إنما لا يعطون من الصدقة المفروضة ، فأما التطوع ، فلا . وعن أحمد ، رواية أخرى : أنهم يمنعون صدقة التطوع أيضا ; لعموم قوله عليه السلام { : إنا لا تحل لنا الصدقة } . والأول أظهر ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : المعروف كله صدقة } . متفق عليه .

وقال الله تعالى { : فمن تصدق به فهو كفارة له } . وقال تعالى { : فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون } . ولا خلاف في إباحة المعروف إلى الهاشمي ، والعفو عنه وإنظاره . وقال إخوة يوسف : { وتصدق علينا } . والخبر أريد به صدقة الفرض ; لأن الطلب كان لها ، والألف واللام تعود إلى المعهود . وروى جعفر بن محمد ، عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة . فقلت له : أتشرب من الصدقة ؟ فقال : إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة .

ويجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراء ، ومن النذور ; [ ص: 276 ] لأنهما تطوع ، فأشبه ما لو وصى لهم . وفي الكفارة وجهان : أحدهما ، يجوز ; لأنها ليست بزكاة ولا هي أوساخ الناس ، فأشبهت صدقة التطوع . والثاني ، لا يجوز لأنها واجبة أشبهت الزكاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية