صفحة جزء
( 1823 ) مسألة : قال أبو القاسم ( وكل ما أخرج الله عز وجل من الأرض مما ييبس ويبقى ، مما يكال ويبلغ خمسة أوسق فصاعدا ، ففيه العشر ، إن كان سقيه من السماء والسوح ، وإن كان يسقى بالدوالي والنواضح وما فيه الكلف ، فنصف العشر ) .

هذه المسألة تشتمل على أحكام ; منها ، أن الزكاة تجب فيما جمع هذه الأوصاف : الكيل ، والبقاء ، واليبس ، من الحبوب والثمار ، مما ينبته الآدميون ، إذا نبت في أرضه ، سواء كان قوتا ، كالحنطة ، والشعير ، والسلت ، والأرز ، والذرة ، والدخن ، أو من القطنيات ، كالباقلا ، والعدس ، والماش والحمص ، أو من الأبازير ، كالكسفرة ، والكمون ، والكراويا ، أو البزور ، كبزر الكتان ، والقثاء ، والخيار ، أو حب البقول ، كالرشاد ، وحب الفجل ، والقرطم ، والترمس ، والسمسم ، وسائر الحبوب ، وتجب أيضا فيما جمع هذه الأوصاف من الثمار ، كالتمر ، والزبيب ، والمشمش ، واللوز ، والفستق ، والبندق . ولا زكاة في سائر الفواكه ، كالخوخ ، والإجاص ، والكمثرى ، والتفاح ، والمشمش ، والتين ، والجوز . ولا في الخضر ، كالقثاء ، والخيار ، والباذنجان . ، واللفت ، والجزر .

وبهذا قال عطاء في الحبوب كلها ، ونحوه قول أبي يوسف ومحمد ، فإنهما قالا : لا شيء فيما تخرجه الأرض ، إلا ما كانت له ثمرة باقية ، يبلغ مكيلها خمسة أوسق . وقال أبو عبد الله بن حامد : لا شيء في الأبازير ، ولا البزور ، ولا حب البقول . ولعله لا يوجب الزكاة إلا فيما كان قوتا أو أدما ; لأن ما عداه لا نص فيه ، ولا هو في معنى المنصوص عليه فيبقى على النفي الأصلي . وقال مالك ، والشافعي : لا زكاة في ثمر ، إلا التمر والزبيب ، ولا في حب ، إلا ما كان قوتا في حالة الاختيار لذلك ، إلا في الزيتون ، على اختلاف .

وحكي عن أحمد : إلا في الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . وهذا قول ابن عمر ، [ ص: 294 ] وموسى بن طلحة ، والحسن ، وابن سيرين ، والشعبي ، والحسن بن صالح وابن أبي ليلى ، وابن المبارك ، وأبي عبيد .

والسلت : نوع من الشعير . ووافقهم إبراهيم ، وزاد الذرة . ووافقهم ابن عباس ، وزاد الزيتون ; لأن ما عدا هذا لا نص فيه ولا إجماع ، ولا هو في معنى المنصوص عليه ، ولا المجمع عليه ، فيبقى على الأصل . وقد روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، أنه قال { : إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في الحنطة والشعير ، والتمر والزبيب . } وفي رواية ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { والعشر في التمر والزبيب ، والحنطة والشعير } . وعن موسى بن طلحة ، عن عمر ، أنه قال : { إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب . } وعن أبي بردة ، عن أبي موسى ومعاذ ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم ، فأمرهم أن لا يأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب } . رواهن كلهن الدارقطني .

ولأن غير هذه الأربعة لا نص فيها ولا إجماع ، ولا هو في معناها في غلبة الاقتيات بها ، وكثرة نفعها ، ووجودها ، فلم يصح قياسه عليها ، ولا إلحاقه بها ، فيبقى على الأصل . وقال أبو حنيفة : تجب الزكاة في كل ما يقصد بزراعته نماء الأرض ، إلا الحطب ، والقصب ، والحشيش ; { لقوله عليه السلام : فيما سقت السماء العشر } . وهذا عام ، ولأن هذا يقصد بزراعته نماء الأرض ، فأشبه الحب .

ووجه قول الخرقي ، أن عموم قوله عليه السلام : { فيما سقت السماء العشر } . وقوله عليه السلام لمعاذ : { خذ الحب من الحب } . يقتضي وجوب الزكاة في جميع ما تناوله ، خرج منه ما لا يكال ، وما ليس بحب ، بمفهوم قوله عليه السلام : { ليس في حب ولا تمر صدقة ، حتى يبلغ خمسة أوسق } . رواه مسلم والنسائي . فدل هذا الحديث على انتفاء الزكاة مما لا ، توسيق فيه ، وهو مكيال ، ففيما هو مكيل يبقى على العموم ، والدليل على انتفاء الزكاة مما سوى ذلك ما ذكرنا من اعتبار التوسيق .

وروي عن علي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ليس في الخضراوات صدقة } . وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر صدقة } . وعن موسى بن طلحة ، عن أبيه ، وعن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله . رواهن الدارقطني . وروى الترمذي ، بإسناده عن { معاذ ، أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضراوات ، وهي : البقول ، فقال : ليس فيها شيء } . وقال : يرويه الحسن بن عمارة ، وهو ضعيف ، والصحيح أنه عن موسى بن طلحة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل .

وقال موسى بن طلحة : جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خمسة أشياء : الشعير ، والحنطة ، والسلت ، والزبيب ، والتمر ، وما سوى ذلك مما أخرجت الأرض فلا عشر فيه . وقال : إن معاذا لم يأخذ من الخضر صدقة . وروى الأثرم ، بإسناده ، أن عامل عمر كتب إليه في كروم ، فيها من الفرسك والرمان ما هو أكثر غلة من [ ص: 295 ] الكروم أضعافا فكتب عمر : إنه ليس عليها عشر ، هي من العضاه .

التالي السابق


الخدمات العلمية