صفحة جزء
( 1872 ) مسألة : قال : ( وتضم الحنطة إلى الشعير ، وتزكى إذا كانت خمسة أوسق ، وكذلك القطنيات ، [ ص: 315 ] وكذلك الذهب والفضة ) ، وعن أبي عبد الله ، رواية أخرى ، أنها لا تضم ، وتخرج من كل صنف إن كان منصبا للزكاة . القطنيات ، بكسر القاف : جمع قطنية ; ويجمع أيضا قطاني .

قال أبو عبيد : هي صنوف الحبوب ، من العدس ، والحمص ، والأرز ، والجلبان ، والجلجلان - يعني السمسم - وزاد غيره : الدخن ، واللوبيا ، والفول ، والماش . وسميت قطنية ، فعلية ، من قطن يقطن في البيت ، أي يمكث فيه . ولا خلاف بين أهل العلم ، في غير الحبوب والثمار ، أنه لا يضم جنس إلى جنس آخر في تكميل النصاب . فالماشية ثلاثة أجناس : الإبل ، والبقر ، والغنم ، لا يضم جنس منها إلى آخر .

والثمار لا يضم جنس إلى غيره ، فلا يضم التمر إلى الزبيب ، ولا إلى اللوز ، والفستق ، والبندق ولا يضم شيء من هذه إلى غيره ، ولا تضم الأثمار إلى شيء من السائمة ، ولا من الحبوب والثمار . ولا خلاف بينهم ، في أنأنواع الأجناس يضم بعضها إلى بعض في إكمال النصاب . ولا خلاف بينهم أيضا في أن العروض تضم إلى الأثمان ، وتضم الأثمان إليها ، إلا أن الشافعي لا يضمها إلا إلى جنس ما اشتريت به ، لأن نصابها معتبر به .

واختلفوا في ضم الحبوب بعضها إلى بعض ، وفي ضم أحد النقدين إلى الآخر ، فروي عن أحمد في الحبوب ثلاث روايات ; إحداهن ، لا يضم جنس منها إلى غيره ، ويعتبر النصاب في كل جنس منها منفردا هذا قول عطاء ، ومكحول ، وابن أبي ليلى ، والأوزاعي والثوري ، والحسن بن صالح ، وشريك ، والشافعي وأبي عبيد وأبي ثور وأصحاب الرأي ; لأنها أجناس ، فاعتبر النصاب في كل جنس منها منفردا ، كالثمار أيضا والمواشي . والرواية الثانية ، أن الحبوب كلها تضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب .

اختارها أبو بكر . وهذا قول عكرمة ، وحكاه ابن المنذر عن طاوس . وقال أبو عبيد : لا نعلم أحدا من الماضين جمع بينهما إلا عكرمة . وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا زكاة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق } ومفهومه وجوب الزكاة فيه إذا بلغ خمسة أوسق . ولأنها تتفق في النصاب وقدر المخرج ، والمنبت والحصاد ، فوجب ضم بعضها إلى بعض ، كأنواع الجنس .

وهذا الدليل منتقض بالثمار . والثالثة ، أن الحنطة تضم إلى الشعير ، وتضم القطنيات بعضها إلى بعض . نقلها أبو الحارث ، عن أحمد ، وحكاها الخرقي . قال القاضي : وهذا هو الصحيح . وهو مذهب مالك ، والليث ، إلا أنه زاد ، فقال : السلت ، والذرة ، والدخن ، والأرز ، والقمح ، والشعير ، صنف واحد ولعله يحتج بأن هذا كله مقتات ، فيضم بعضه إلى بعض ، كأنواع الحنطة . وقال الحسن ، والزهري : تضم الحنطة إلى الشعير ; لأنها تتفق في الاقتيات والمنبت والحصاد والمنافع ، فوجب ضمها ، كما يضم العلس إلى الحنطة ، وأنواع الجنس بعضها إلى بعض .

والرواية الأولى أولى ، إن شاء الله تعالى ; لأنها أجناس يجوز التفاضل فيها ، فلم يضم بعضها إلى بعض كالثمار . ولا يصح القياس على العلس مع الحنطة ; لأنه نوع منها ، ولا على أنواع الجنس ; لأن الأنواع كلها جنس واحد يحرم التفاضل فيها ، وثبت حكم الجنس في جميعها ، بخلاف الأجناس . وإذا انقطع القياس ، لم يجز إيجاب الزكاة بالتحكم ، ولا بوصف غير معتبر ، ثم هو باطل بالثمار ، فإنها تتفق فيما ذكروه ، ولا يضم بعضها إلى بعض ، ولأن الأصل عدم الوجوب ، فما لم يرد [ ص: 316 ] بالإيجاب نص أو إجماع أو معناهما ، لا يثبت إيجابه ، والله أعلم .

ولا خلاف فيما نعلمه في ضم الحنطة إلى العلس ; لأنه نوع منها . وعلى قياسه السلت يضم إلى الشعير ; لأنه منه . ( 1873 ) فصل : ولا تفريع على الروايتين الأوليين ; لوضوحهما . فأما الثالثة ، وهي ضم الحنطة إلى الشعير ، والقطنيات بعضها إلى بعض ، فإن الذرة تضم إلى الدخن ، لتقاربهما في المقصد ، فإنهما يتخذان خبزا وأدما ، وقد ذكرا من جملة القطنيات أيضا ، فيضمان إليها . وأما البزور فلا تضم إلى القطنيات ، ولكن الأبازير يضم بعضها إلى بعض ; لتقاربها في المقصد ، فأشبهت القطنيات .

وحبوب البقول لا تضم إلى القطنيات ، ولا إلى البزور ، فما تقارب منها ضم بعضه إلى بعض ، وما لا فلا ، وما شككنا فيه لا يضم ; لأن الأصل عدم الوجوب ، فلا يجب بالشك ، والله أعلم ( 1874 ) فصل : وذكر الخرقي في ضم الذهب إلى الفضة روايتين . وقد ذكرناهما فيما مضى ، واختار أبو بكر ، أنه لا يضم أحدهما إلى الآخر ، مع اختياره الضم في الحبوب ; لاختلاف نصابهما ، واتفاق نصاب الحبوب . .

التالي السابق


الخدمات العلمية