صفحة جزء
( 1878 ) مسألة : قال أبو القاسم : ( ولا زكاة فيما دون المائتي درهم ، إلا أن يكون في ملكه ذهب أو عروض للتجارة ، فيتم به ) وجملة ذلك أن نصاب الفضة مائتا درهم ، لا خلاف في ذلك بين علماء الإسلام ، وقد بينته السنة التي رويناها بحمد الله ، والدراهم التي يعتبر بها النصاب هي الدراهم التي كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل بمثقال الذهب ، وكل درهم نصف مثقال وخمسه ، وهي الدراهم الإسلامية التي تقدر بها نصب الزكاة ، ومقدار الجزية ، والديات ، ونصاب القطع في السرقة ، وغير ذلك .

وكانت الدراهم في صدر الإسلام صنفين ، سودا ، وطبرية ، وكانت السود ثمانية دوانيق ، والطبرية أربعة دوانيق ، فجمعا في الإسلام ، وجعلا درهمين متساويين ، في كل درهم ستة دوانيق ، فعل ذلك بنو أمية ، فاجتمعت فيها ثلاثة أوجه : أحدها ، أن كل عشرة وزن سبعة . والثاني ، أنه عدل بين الصغير والكبير . والثالث ، أنه موافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرهمه الذي قدر به المقادير الشرعية . ولا فرق في ذلك بين التبر والمضروب .

ومتى نقص النصاب عن ذلك فلا زكاة فيه ، سواء كان النقص كثيرا أو يسيرا . هذا ظاهر كلام الخرقي ، ومذهب الشافعي ، وإسحاق ، وابن المنذر لظاهر قوله عليه السلام : { ليس فيما دون خمس أواق صدقة } . والأوقية أربعون درهما . بغير خلاف ، فيكون ذلك مائتي درهم .

وقال غير الخرقي من أصحابنا : إن كان النقص يسيرا ، كالحبة والحبتين ، وجبت الزكاة ; لأنه لا يضبط غالبا ، فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين ، وإن كان نقصا بينا ، كالدانق والدانقين ، فلا زكاة فيه . وعن أحمد . أن نصاب الذهب إذا نقص ثلث مثقال زكاه . وهو قول عمر بن عبد العزيز ، وسفيان . وإن نقص نصفا لا زكاة فيه .

وقال أحمد في موضع آخر : إذا نقص ثمنا لا زكاة فيه . [ ص: 318 ] اختاره أبو بكر . وقال مالك : إذا نقصت نقصا يسيرا يجوز جواز الوازنة ، وجبت الزكاة ، لأنها تجوز جواز الوازنة ، أشبهت الوازنة . والأول ظاهر الخبر ، فينبغي أن لا يعدل عنه . فأما قوله : " إلا أن يكون في ملكه ذهب أو عروض للتجارة فيتم به " .

فإن عروض التجارة تضم إلى كل واحد من الذهب والفضة ، ويكمل به نصابه . لا نعلم فيه اختلافا . قال الخطابي : لا أعلم عامتهم اختلفوا فيه ; وذلك لأن الزكاة إنما تجب في قيمتها ، فتقوم بكل واحد منهما ، فتضم إلى كل واحد منهما . ولو كان له ذهب وفضة وعروض ، وجب ضم الجميع بعضه إلى بعض في تكميل النصاب ; لأن العرض مضموم إلى كل واحد منهما ، فيجب ضمهما إليه ، وجمع الثلاثة .

فأما إن كان له من كل واحد من الذهب والفضة ما لا يبلغ نصابا بمفرده ، أو كان له نصاب من أحدهما وأقل من نصاب من الآخر ، فقد توقف أحمد عن ضم أحدهما إلى الآخر ، في رواية الأثرم وجماعة ، وقطع في رواية حنبل ، أنه لا زكاة عليه حتى يبلغ كل واحد منهما نصابا . وذكر الخرقي فيه روايتين في الباب قبله ، إحداهما لا يضم .

وهو قول ابن أبي ليلى ، والحسن بن صالح ، وشريك ، والشافعي ، وأبي عبيد ، وأبي ثور . واختاره أبو بكر عبد العزيز ; لقوله عليه السلام : { ليس فيما دون خمس أواق صدقة . } ولأنهما مالان يختلف نصابهما ، فلا يضم أحدهما إلى الآخر ، كأجناس الماشية ، والثانية ، يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب . وهو قول الحسن وقتادة ، ومالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وأصحاب الرأي ; لأن أحدهما يضم إلى ما يضم إليه الآخر ، فيضم إلى الآخر .

كأنواع الجنس ، ولأن نفعهما واحد ، والمقصود منهما متحد . فإنهما قيم المتلفات ، وأروش الجنايات ، وأثمان البياعات ، وحلي لمن يريدهما لذلك ، فأشبها النوعين ، والحديث مخصوص بعرض التجارة ، فنقيس عليه . فإذا قلنا بالضم ، فإن أحدهما يضم إلى الآخر بالأجزاء ، يعني أن كل واحد منهما يحتسب من نصابه ، فإذا كملت أجزاؤهما نصابا ، وجبت الزكاة ، مثل أن يكون عنده نصف نصاب من أحدهما ، ونصف نصاب أو أكثر من الآخر ، أو ثلث من أحدهما ، وثلثان أو أكثر من الآخر . فلو ملك مائة درهم وعشرة دنانير ، أو مائة وخمسين درهما وخمسة دنانير ، أو مائة وعشرين درهما وثمانية دنانير ، وجبت الزكاة فيهما .

وإن نقصت أجزاؤهما عن نصاب فلا زكاة فيهما . سئل أحمد ، عن رجل عنده ثمانية دنانير ومائة درهم ؟ فقال : إنما قال من قال فيها الزكاة ، إذا كان عنده عشرة دنانير ومائة درهم . وهذا قول مالك ، وأبي يوسف ، ومحمد ، والأوزاعي ; لأن كل واحد منهما لا تعتبر قيمته في وجوب الزكاة إذا كان منفردا ، فلا تعتبر إذا كان عنده عشرة دنانير مضمونة كالحبوب والثمار وأنواع الأجناس كلها .

وقال أبو الخطاب : ظاهر كلام أحمد ، في رواية المروذي ، أنها تضم بالأحوط من الأجزاء والقيمة . ومعناه أنه يقوم الغالي منهما بقيمة الرخيص ، فإذا بلغت قيمتهما بالرخيص منهما نصابا وجبت الزكاة فيهما ; فلو ملك مائة درهم وتسعة دنانير قيمتها مائة درهم ، أو عشرة دنانير وتسعين درهما قيمتها عشرة دنانير ، وجبت الزكاة فيها .

وهذا قول أبي حنيفة في تقويم الدنانير بالفضة ; لأن كل نصاب وجب فيه ضم الذهب إلى الفضة ، ضم بالقيمة ، كنصاب القطع في السرقة ، ولأن أصل الضم لتحصيل حظ الفقراء ، فكذلك صفة الضم . والأول أصح ; لأن الأثمان تجب الزكاة في أعيانها ، فلا تعتبر قيمتها ، كما لو انفردت . ويخالف نصاب القطع ، فإن نصاب القطع فيه الورق خاصة في [ ص: 319 ] إحدى الروايتين ، وفي الأخرى أنه لا يجب في الذهب حتى يبلغ ربع دينار . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية