صفحة جزء
( 1966 ) مسألة : قال : ( ومن أعطى القيمة ، لم تجزئه ) قال أبو داود قيل لأحمد وأنا أسمع : أعطي دراهم - يعني في صدقة الفطر - قال : أخاف أن لا يجزئه خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال أبو طالب ، قال لي أحمد لا يعطي قيمته ، قيل له : قوم يقولون ، عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة ، قال يدعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون قال فلان ، قال ابن عمر : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الله تعالى : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } . وقال قوم يردون السنن : قال فلان ، قال فلان . وظاهر مذهبه أنه لا يجزئه إخراج القيمة في شيء من الزكوات . وبه قال مالك ، والشافعي وقال الثوري ، وأبو حنيفة : يجوز . وقد روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ، والحسن ، وقد روي عن أحمد مثل قولهم ، فيما عدا الفطرة .

وقال أبو داود : سئل أحمد ، عن رجل باع ثمرة نخله . قال : عشره على الذي باعه . قيل له : فيخرج ثمرا ، أو ثمنه ؟ قال : إن شاء أخرج ثمرا ، وإن شاء أخرج من الثمن . وهذا دليل على جواز إخراج القيم . ووجهه قول معاذ لأهل اليمن : ائتوني بخميص أو لبيس آخذه منكم ، فإنه أيسر عليكم ، وأنفع للمهاجرين بالمدينة . وقال سعيد : حدثنا سفيان عن عمرو ، وعن طاوس ، قال لما قدم معاذ اليمن ، قال : ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير ، فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين ، بالمدينة .

قال : وحدثنا جرير ، عن ليث ، عن عطاء ، قال كان عمر بن الخطاب يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم . ولأن المقصود دفع الحاجة ، ولا يختلف ذلك بعد اتحاد قدر المالية باختلاف صور الأموال ولنا ، قول ابن عمر : { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر ، وصاعا من شعير } فإذا عدل عن ذلك فقد ترك المفروض .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { في أربعين شاة شاة وفي مائتي درهم خمسة دراهم } . وهو وارد بيانا لمجمل قوله تعالى : { وآتوا الزكاة } فتكون الشاة المذكورة هي الزكاة المأمور بها ، والأمر يقتضي الوجوب . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض الصدقة على هذا الوجه ، وأمر بها أن تؤدى ، ففي كتاب أبي بكر الذي كتبه في الصدقات أنه قال : { هذه الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر بها أن تؤدى . وكان فيه : في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض ، فإن لم تكن بنت مخاض ، فابن لبون ذكر ، } وهذا يدل على أنه أراد عينها لتسميته إياها . وقوله : { فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر . } ولو أراد المالية أو القيمة لم يجز ; لأن خمسا وعشرين لا تخلو عن مالية بنت مخاض ، وكذلك قوله : فابن لبون ذكر فإنه لو أراد المالية للزمه مالية بنت مخاض ، دون مالية ابن لبون .

وقد روى أبو داود ، وابن ماجه ، بإسنادهما ، عن { معاذ ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن ، فقال خذ الحب من الحب ، والشاة من الغنم ، والبعير من الإبل والبقر من البقر . } ولأن الزكاة وجبت لدفع [ ص: 358 ] حاجة الفقير ، وشكرا لنعمة المال ، والحاجات متنوعة ، فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته ، ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به ، ولأن مخرج القيمة قد عدل عن المنصوص ، فلم يجزئه ، كما لو أخرج الرديء مكان الجيد ، وحديث معاذ ، الذي رووه في الجزية ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بتفريق الصدقة في فقرائهم ، ولم يأمره بحملها إلى المدينة . وفي حديثه هذا : فإنه أنفع للمهاجرين بالمدينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية