صفحة جزء
( 2080 ) مسألة : قال : ( والحامل إذا خافت على جنينها ، والمرضع على ولدها ، أفطرتا ، وقضتا ، وأطعمتا عن كل يوم مسكينا ) وجملة ذلك أن الحامل والمرضع ، إذا خافتا على أنفسهما ، فلهما الفطر ، وعليهما القضاء فحسب . لا نعلم فيه بين أهل العلم اختلافا ; لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه . وإن خافتا على ولديهما أفطرتا ، وعليهما القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم . وهذا يروى عن ابن عمر . وهو المشهور من مذهب الشافعي .

وقال الليث : الكفارة على المرضع دون الحامل . وهو إحدى الروايتين عن مالك ، لأن المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها ، بخلاف الحامل ، ولأن الحمل متصل بالحامل ، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها . وقال عطاء ، والزهري ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، والنخعي ، وأبو حنيفة : لا كفارة عليهما ; لما روى أنس بن مالك رجل من بني كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع الصوم - أو - الصيام } والله لقد قالهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما أو كليهما . رواه النسائي ، والترمذي . وقال : هذا حديث حسن .

ولم يأمره بكفارة ، ولأنه فطر أبيح لعذر ، فلم يجب به كفارة ، كالفطر للمرض . ولنا قول الله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } . وهما داخلتان في عموم الآية . قال ابن عباس : كانت رخصة للشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة ، وهما يطيقان الصيام ، أن يفطرا ، ويطعما مكان كل يوم مسكينا ، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما ، أفطرتا ، وأطعمتا . رواه أبو داود . وروي ذلك عن ابن عمر ، ولا مخالف لهما في الصحابة .

ولأنه فطر بسبب نفس عاجزة عن طريق الخلقة ، فوجبت به الكفارة ، كالشيخ الهرم ، وخبرهم لم يتعرض للكفارة ، فكانت موقوفة على الدليل ، كالقضاء ، فإن الحديث لم يتعرض له ، والمريض أخف حالا من هاتين ; لأنه يفطر بسبب نفسه . إذا ثبت هذا ، فإن الواجب في إطعام المسكين مد بر ، أو نصف صاع من تمر ، أو شعير . والخلاف فيه ، كالخلاف في إطعام المساكين في كفارة الجماع ، إذا ثبت هذا ، فإن القضاء لازم لهما . وقال ابن عمر ، وابن عباس : لا قضاء عليهما ; لأن الآية تناولتهما ، وليس فيها إلا الإطعام ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله وضع عن الحامل والمرضع الصوم } . ولنا أنهما يطيقان القضاء ، فلزمهما ، كالحائض والنفساء ، والآية أوجبت الإطعام ، ولم تتعرض للقضاء ، فأخذناه من دليل آخر . والمراد بوضع الصوم وضعه في مدة عذرهما ، كما جاء في حديث عمرو بن أمية ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 38 ] { إن الله وضع عن المسافر الصوم } . ولا يشبهان الشيخ الهرم ، لأنه عاجز عن القضاء ، وهما يقدران عليه .

قال أحمد : أذهب إلى حديث أبي هريرة . يعني ولا أقول بقول ابن عباس وابن عمر في منع القضاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية