صفحة جزء
( 2133 ) مسألة : قال ( وصيام عاشوراء كفارة سنة ، ويوم عرفة كفارة سنتين ) وجملته أن صيام هذين اليومين مستحب ; لما روى أبو قتادة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { صيام عرفة : إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده } وقال في صيام عاشوراء : { إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله } . أخرجه مسلم .

إذا ثبت هذا فإن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم . وهذا قول سعيد بن المسيب ، والحسن ; لما روى ابن عباس ، قال : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء العاشر من المحرم } . رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح . وروي عن ابن عباس ، أنه قال : التاسع وروي { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم التاسع } . أخرجه مسلم بمعناه . وروى عنه عطاء ، أنه قال : { صوموا التاسع والعاشر ، ولا تشبهوا باليهود ، } إذا ثبت هذا فإنه يستحب صوم التاسع والعاشر لذلك . نص عليه أحمد . وهو قول إسحاق .

قال أحمد : فإن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام . وإنما يفعل ذلك ليتيقن صوم التاسع والعاشر . ( 2134 )

فصل : واختلف في صوم عاشوراء ، هل كان واجبا ؟ فذهب القاضي إلى أنه لم يكن واجبا . وقال : هذا قياس المذهب . واستدل بشيئين ; أحدهما ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يأكل } بالصوم ، والنية في الليل شرط في الواجب . والثاني : أنه لم يأمر من أكل بالقضاء ، ويشهد لهذا ما روى معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { يقول : إن هذا يوم عاشوراء ، لم يكتب الله عليكم صيامه ، فمن شاء فليصم ، ومن شاء فليفطر } . وهو حديث صحيح .

وروي عن أحمد ، أنه كان مفروضا ; لما روت عائشة ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه ، فلما افترض رمضان كان هو الفريضة ، وترك عاشوراء ، فمن شاء صامه ومن شاء تركه } . وهو حديث صحيح . وحديث معاوية محمول على أنه أراد : ليس هو مكتوبا عليكم الآن .

وأما تصحيحه بنية من النهار ، وترك الأمر بقضائه ، فيحتمل أن نقول : من لم يدرك اليوم بكماله لم يلزمه قضاؤه . كما قلنا في من أسلم وبلغ في أثناء يوم من رمضان . على أنه قد روى أبو داود { أن أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : صمتم يومكم هذا ؟ قالوا : لا . قال : فأتموا بقية يومكم ، واقضوه } . [ ص: 58 ]

( 2135 ) فصل : فأما يوم عرفة : فهو اليوم التاسع من ذي الحجة ، سمي بذلك ، لأن الوقوف بعرفة فيه . وقيل : سمي يوم عرفة ، لأن إبراهيم عليه السلام أري في المنام ليلة التروية أنه يؤمر بذبح ابنه ، فأصبح يومه يتروى ، هل هذا من الله أو حلم ؟ فسمي يوم التروية ، فلما كانت الليلة الثانية رآه أيضا فأصبح يوم عرفة ، فعرف أنه من الله ، فسمي يوم عرفة . وهو يوم شريف عظيم ، وعيد كريم ، وفضله كبير . وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم { أن صيامه يكفر سنتين . } ( 2136 )

فصل : وأيام عشر ذي الحجة كلها شريفة مفضلة يضاعف العمل فيها ، ويستحب الاجتهاد في العبادة فيها ; لما روى ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر . قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجلا خرج بنفسه وماله ، فلم يرجع من ذلك بشيء } . وهو حديث حسن صحيح .

وعن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما من أيام أحب إلى الله عز وجل أن يتعبد له فيها ، من عشر ذي الحجة ، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة ، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر } . وهذا حديث غريب ، أخرجه الترمذي . وروى أبو داود ، بإسناده عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ، ويوم عاشوراء } .

التالي السابق


الخدمات العلمية