صفحة جزء
( 2149 ) مسألة : قال : ( ويجوز بلا صوم ، إلا أن يقول في نذره بصوم ) المشهور في المذهب أن الاعتكاف يصح بغير صوم . روي ذلك عن علي ، وابن مسعود ، وسعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد العزيز ، والحسن ، وعطاء ، وطاوس ، والشافعي ، وإسحاق .

وعن أحمد ، رواية أخرى ، أن الصوم شرط في الاعتكاف . قال : إذا اعتكف يجب عليه الصوم . وروي ذلك عن ابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة . وبه قال الزهري ، ومالك ، وأبو حنيفة ، والليث ، والثوري ، والحسن بن يحيى ; لما روي عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه قال : لا اعتكاف إلا بصوم } . رواه الدارقطني .

وعن ابن عمر ، { أن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اعتكف ، وصم } . رواه أبو داود . ولأنه لبث في مكان مخصوص . فلم يكن بمجرده قربة ، كالوقوف . [ ص: 65 ]

ولنا ، ما روى ابن عمر ، عن عمر ، { أنه قال : يا رسول الله ، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك } . رواه البخاري . ولو كان الصوم شرطا لما صح اعتكاف الليل ، لأنه لا صيام فيه ، ولأنه عبادة تصح في الليل ، فلم يشترط له الصيام كالصلاة ، ولأنه عبادة تصح في الليل ، فأشبه سائر العبادات ، ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا بالشرع ، ولم يصح فيه نص ، ولا إجماع .

قال سعيد : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن أبي سهل ، قال : كان على امرأة من أهلي اعتكاف ، فسألت عمر بن عبد العزيز . فقال : ليس عليها صيام ، إلا أن تجعله على نفسها . فقال الزهري : لا اعتكاف إلا بصوم . فقال له عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا . قال : فعن أبي بكر ؟ قال : لا . قال : فعن عمر ؟ قال : لا . قال : وأظنه قال : فعن عثمان ؟ قال : لا . فخرجت من عنده ، فلقيت عطاء وطاوسا ، فسألتهما ، فقال طاوس : كان فلان لا يرى عليها صياما ، إلا أن تجعله على نفسها ، وأحاديثهم لا تصح . أما حديثهم عن عمر ، فتفرد به ابن بديل ، وهو ضعيف ، قال أبو بكر النيسابوري : هذا حديث منكر . والصحيح ما رويناه ، أخرجه البخاري ، والنسائي ، وغيرهما . وحديث عائشة موقوف عليها ، ومن رفعه فقد وهم ، ولو صح فالمراد به الاستحباب ; فإن الصوم فيه أفضل ، وقياسهم ينقلب عليهم ; فإنه لبث في مكان مخصوص ، فلم يشترط له الصوم كالوقوف ، ثم نقول بموجبه ، فإنه لا يكون قربة بمجرده ، بل بالنية . إذا ثبت هذا فإنه يستحب أن يصوم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف وهو صائم ، ولأن المعتكف يستحب له التشاغل بالعبادات والقرب ، والصوم من أفضلها ، ويتفرغ به مما يشغله عن العبادات ، ويخرج به من الخلاف . ( 2150 )

فصل : إذا قلنا : إن الصوم شرط . لم يصح اعتكاف ليلة مفردة ، ولا بعض يوم ; ولا ليلة وبعض يوم ; لأن الصوم المشترط لا يصح في أقل من يوم . ويحتمل أن يصح في بعض اليوم ، إذا صام اليوم كله ; لأن الصوم المشروط وجد في زمن الاعتكاف ، ولا يعتبر وجود المشروط في زمن الشرط كله .

التالي السابق


الخدمات العلمية