صفحة جزء
( 2160 ) مسألة : قال : ( ولا يعود مريضا ، ولا يشهد جنازة ، إلا أن يشترط ذلك ) الكلام في هذه المسألة في فصلين ( 2161 ) : أحدهما ، في الخروج لعيادة المريض وشهود الجنازة ، مع عدم الاشتراط . واختلفت الرواية عن أحمد في ذلك ، فروي عنه : ليس له فعله . وهو قول عطاء ، وعروة ، ومجاهد ، والزهري ، ومالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

وروى عنه الأثرم ، ومحمد بن الحكم ، أن له أن يعود المريض ، ويشهد الجنازة ، ويعود إلى معتكفه . وهو قول علي رضي الله عنه . وبه قال سعيد بن جبير ، والنخعي ، والحسن ; لما روى عاصم بن ضمرة ، عن علي قال : إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة ، وليعد المريض ، وليحضر الجنازة ، وليأت أهله ، وليأمرهم بالحاجة وهو قائم . رواه الإمام أحمد ، والأثرم . وقال أحمد : عاصم بن ضمرة عندي حجة .

قال أحمد : يشهد الجنازة ، ويعود المريض ، ولا يجلس ، ويقضي الحاجة ، ويعود إلى معتكفه . وجه الأول ، ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان } . متفق عليه . وعنها رضي الله عنها أنها قالت : السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ، ولا يشهد جنازة ، ولا يمس امرأة ، ولا يباشرها ، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه . وعنها قالت { : كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف ، فيمر كما هو ، فلا يعرج يسأل عنه } . رواهما أبو داود . ولأن هذا ليس بواجب ، فلا يجوز ترك الاعتكاف الواجب من أجله ، كالمشي مع أخيه في حاجة ليقضيها له . وإن تعينت عليه صلاة الجنازة ، وأمكنه فعلها في المسجد ، لم يجز الخروج إليها . وإن لم يمكنه ذلك ، فله الخروج إليها . وإن تعين عليه دفن الميت ، أو تغسيله ، جاز أن يخرج له ; لأن هذا واجب متعين ، فيقدم على الاعتكاف ، كصلاة الجمعة ، فأما إن كان الاعتكاف تطوعا ، وأحب الخروج منه لعيادة مريض ، أو شهود جنازة ، جاز ; لأن كل واحد منهما تطوع ، فلا يتحتم واحد منهما ، لكن الأفضل المقام على اعتكافه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرج على المريض ولم يكن واجبا عليه .

فأما إن خرج لما لا بد منه ، فسأل عن المريض في طريقه ، ولم يعرج ، جاز ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك . ( 2162 ) الفصل الثاني ، إذا اشترط فعل ذلك في اعتكافه ، فله فعله ، واجبا كان الاعتكاف أو غير واجب . وكذلك ما كان قربة ، كزيارة أهله ، أو رجل صالح أو عالم ، أو شهود جنازة ، وكذلك ما كان مباحا مما [ ص: 71 ] يحتاج إليه ، كالعشاء في منزله ، والمبيت فيه ، فله فعله .

قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن المعتكف يشترط أن يأكل في أهله ؟ قال : إذا اشترط فنعم . قيل له : وتجيز الشرط في الاعتكاف ؟ قال : نعم . قلت له : فيبيت في أهله ؟ فقال : إذا كان تطوعا ، جاز . وممن أجاز أن يشترط العشاء في أهله الحسن ، والعلاء بن زياد ، والنخعي ، وقتادة . ومنع منه أبو مجلز ، ومالك ، والأوزاعي . قال مالك : لا يكون في الاعتكاف شرط .

ولنا ، أنه يجب بعقده ، فكان الشرط إليه فيه كالوقوف ، ولأن الاعتكاف لا يختص بقدر ، فإذا شرط الخروج فكأنه نذر القدر الذي أقامه . وإن قال : متى مرضت أو عرض لي عارض ، خرجت . جاز شرطه . ( 2163 )

فصل : وإن شرط الوطء في اعتكافه ، أو الفرجة ، أو النزهة ، أو البيع للتجارة ، أو التكسب بالصناعة في المسجد ، لم يجز ; لأن الله تعالى قال : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } . فاشتراط ذلك اشتراط لمعصية الله تعالى . والصناعة في المسجد منهي عنها في غير الاعتكاف ، ففي الاعتكاف أولى ، وسائر ما ذكرناه يشبه ذلك ، ولا حاجة إليه ، فإن احتاج إليه ، فلا يعتكف ; لأن ترك الاعتكاف أولى من فعل المنهي عنه . قال أبو طالب : سألت أحمد عن المعتكف يعمل عمله من الخياط وغيره ؟ قال : ما يعجبني أن يعمل . قلت : إن كان يحتاج ؟ قال : إن كان يحتاج لا يعتكف . ( 2164 )

فصل : إذا خرج لما له منه بد عامدا ، بطل اعتكافه ، إلا أن يكون اشترط . وإن خرج ناسيا ، فقال القاضي : لا يفسد اعتكافه ; لأنه فعل المنهي عنه ناسيا ، فلم تفسد العبادة ، كالأكل في الصوم . وقال ابن عقيل : يفسد ; لأنه ترك للاعتكاف ، وهو لزوم للمسجد ، وترك الشيء عمده وسهوه سواء ، كترك النية في الصوم . فإن أخرج بعض جسده ، لم يفسد اعتكافه ، عمدا كان أو سهوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف إلى عائشة فتغسله وهي حائض } . متفق عليه . ( 2165 )

فصل : ويجوز للمعتكف صعود سطح المسجد ; لأنه من جملته ، ولهذا يمنع الجنب من اللبث فيه . وهذا قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي . ولا نعلم فيه مخالفا . ويجوز أن يبيت فيه . وظاهر كلام الخرقي أن رحبة المسجد ليست منه ، وليس للمعتكف الخروج إليها ، لقوله في الحائض : يضرب لها خباء في الرحبة . والحائض ممنوعة من المسجد .

وقد روي عن أحمد ما يدل على هذا . وروى عنه المروذي أن المعتكف يخرج إلى رحبة المسجد ، هي من المسجد . قال القاضي : إن كان عليها حائط وباب فهي كالمسجد ; لأنها معه ، وتابعة له ، وإن لم تكن محوطة ، لم يثبت لها حكم المسجد . فكأنه جمع بين الروايتين ، وحملهما على اختلاف الحالين . فإن خرج إلى منارة خارج المسجد للأذان ، بطل اعتكافه . قال أبو الخطاب : ويحتمل أن لا يبطل ; لأن منارة المسجد كالمتصلة به .

التالي السابق


الخدمات العلمية