صفحة جزء
( 2221 ) فصل : وفي الاستئجار على الحج ، والأذان وتعليم القرآن والفقه ، ونحوه ، مما يتعدى نفعه ، ويختص فاعله أن يكون من أهل القربة ، روايتان : [ ص: 94 ] إحداهما ، لا يجوز . وهو مذهب أبي حنيفة ، وإسحاق . والأخرى ، يجوز . وهو مذهب مالك ، والشافعي ، وابن المنذر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله } رواه البخاري . وأخذ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجعل على الرقية بكتاب الله ، وأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فصوبهم فيه .

ولأنه يجوز أخذ النفقة عليه ، فجاز الاستئجار عليه ، كبناء المساجد والقناطر . ووجه الرواية الأولى أن عبادة بن الصامت كان يعلم رجلا القرآن ، فأهدى له قوسا ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال له : { إن سرك أن تتقلد قوسا من نار ، فتقلدها } وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص : { واتخذ مؤذنا ، لا يأخذ على أذانه أجرا } . ولأنها عبادة يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة ، فلم يجز أخذ الأجرة عليها ، كالصلاة ، والصوم .

وأما الأحاديث التي في أخذ الجعل والأجرة ، فإنما كانت في الرقية ، وهي قضية في عين ، فتختص بها . وأما بناء المساجد ، فلا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة ، ويجوز أن يقع قربة وغير قربة ، فإذا وقع بأجرة لم يكن قربة ، ولا عبادة ، ولا يصح هاهنا أن يكون غير عبادة ، ولا يجوز الاشتراك في العبادة ، فمتى فعله من أجل الأجرة خرج عن كونه عبادة ، فلم يصح ، ولا يلزم من جواز أخذ النفقة جواز أخذ الأجرة ، بدليل القضاء والشهادة والإمامة ، يؤخذ عليها الرزق من بيت المال ، وهو نفقة في المعنى ، ولا يجوز أخذ الأجرة عليها .

وفائدة الخلاف ، أنه متى لم يجز أخذ الأجرة عليها ، فلا يكون إلا نائبا محضا ، وما يدفع إليه من المال يكون نفقة لطريقه ، فلو مات ، أو أحصر ، أو مرض ، أو ضل الطريق ، لم يلزمه الضمان لما أنفق . نص عليه أحمد ; لأنه إنفاق بإذن صاحب المال ، فأشبه ما لو أذن له في سد بثق فانبثق ولم ينسد . وإذا ناب عنه آخر ، فإنه يحج من حيث بلغ النائب الأول من الطريق ، لأنه حصل قطع هذه المسافة بمال المنوب عنه ، فلم يكن عليه الإنفاق دفعة أخرى ، كما لو خرج بنفسه فمات في بعض الطريق ، فإنه يحج عنه من حيث انتهى .

وما فضل معه من المال رده ، إلا أن يؤذن له في أخذه ، وينفق على نفسه بقدر الحاجة من غير إسراف ولا تقتير ، وليس له التبرع بشيء منه ، إلا أن يؤذن له في ذلك . قال أحمد ، في الذي يأخذ دراهم للحج : لا يمشي ، ولا يقتر في النفقة ، ولا يسرف .

وقال في رجل أخذ حجة عن ميت ، ففضلت معه فضلة : يردها ، ولا يناهد أحدا إلا بقدر ما لا يكون سرفا ، ولا يدعو إلى طعامه ، ولا يتفضل . ثم قال : أما إذا أعطي ألف درهم ، أو كذا وكذا ، فقيل له : حج بهذه . فله أن يتوسع فيها ، وإن فضل شيء فهو له . وإذا قال الميت : حجوا عني حجة بألف درهم . فدفعوها إلى رجل ، فله أن يتوسع فيها ، وما فضل فهو له .

وإن قلنا : يجوز الاستئجار على الحج . جاز أن يقع الدفع إلى النائب من غير استئجار ، فيكون الحكم فيه على ما مضى . وإن استأجره ليحج عنه أو عن ميت ، اعتبر فيه شروط الإجارة ; من معرفة الأجرة ، وعقد الإجارة ، وما يأخذه أجرة له يملكه ، ويباح له التصرف فيه ، والتوسع به في النفقة وغيرها ، وما فضل فهو له ، وإن أحصر ، أو ضل الطريق ، أو ضاعت النفقة منه ، فهو في ضمانه ، والحج عليه ، وإن مات ، انفسخت الإجارة ; لأن المعقود عليه تلف ، فانفسخ العقد ، كما لو ماتت البهيمة المستأجرة ، ويكون الحج أيضا من موضع بلغ إليه النائب ، وما لزمه من الدماء فعليه ; لأن الحج عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية