صفحة جزء
( 218 ) مسألة : قال : وما عدا المخرج فلا يجزئ فيه إلا الماء . وبها قال الشافعي وإسحاق وابن المنذر يعني إذا تجاوز المحل بما لم تجر به العادة مثل أن ينتشر إلى الصفحتين وامتد في الحشفة لم يجزه إلا الماء ; لأن الاستجمار في المحل المعتاد رخصة لأجل المشقة في غسله لتكرر النجاسة فيه فما لا تتكرر النجاسة فيه لا يجزئ فيه إلا الغسل كساقه وفخذه ، ولذلك قال علي رضي الله عنه : إنكم كنتم تبعرون بعرا ، وأنتم اليوم تثلطون ثلطا فأتبعوا الماء الأحجار وقوله عليه السلام : { يكفي أحدكم ثلاثة أحجار } أراد ما لم يتجاوز محل العادة لما ذكرنا .

( 219 ) فصل : والمرأة البكر كالرجل ; لأن عذرتها تمنع انتشار البول .

فأما الثيب فإن خرج البول بحدة فلم ينتشر فكذلك . وإن تعدى إلى مخرج الحيض فقال أصحابنا : يجب غسله لأن مخرج الحيض والولد غير مخرج البول ويحتمل أن لا يجب ; لأن هذا عادة في حقها فكفى فيه الاستجمار كالمعتاد في غيرها ; ولأن الغسل [ ص: 106 ] لو لزمها مع اعتياده لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه لكونه مما يحتاج إلى معرفته ، وإن شك في انتشار الخارج إلى ما يوجب الغسل ، لم يجب لأن الأصل عدمه والمستحب الغسل احتياطا .

( 220 ) فصل : والأقلف إن كان مرتتقا لا تخرج بشرته من قلفته فهو كالمختتن ، وإن كان يمكنه كشفها كشفها فإذا بال واستجمر أعادها فإن تنجست بالبول لزمه غسلها كما لو انتشر إلى الحشفة .

( 221 ) فصل : وإن انسد المخرج المعتاد وانفتح آخر ، لم يجزه الاستجمار فيه ; لأنه غير السبيل المعتاد وحكي عن بعض أصحابنا أنه يجزئه ; لأنه صار معتادا . ولنا ، أن هذا نادر بالنسبة إلى سائر الناس فلم تثبت فيه أحكام الفرج ، فإنه لا ينقض الوضوء مسه ، ولا يجب بالإيلاج فيه حد ولا مهر ولا غسل ، ولا غير ذلك من الأحكام ، فأشبه سائر البدن .

( 222 ) فصل : ظاهر كلام أحمد أن محل الاستجمار بعد الإنقاء طاهر ، فإن أحمد بن الحسين ، قال سألت أبا عبد الله عن الرجل يبول فيستبرئ ويستجمر يعرق في سراويله ؟ قال إذا استجمر ثلاثا فلا بأس . وسأله رجل ، فقال إذا استنجيت من الغائط يصيب ذلك الماء موضعا مني آخر ؟ فقال أحمد : قد جاء في الاستنجاء ثلاثة أحجار ، فاستنج أنت بثلاثة أحجار ثم لا تبالي ما أصابك من ذلك الماء .

قال : وسألت أحمد عن رش الماء على الخف إذا لم يستجمر الرجل ؟ قال أحب إلي أن يغسله ثلاثا . وهذا قول ابن حامد وظاهر قول المتأخرين من أصحابنا أنه نجس ، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة فلو قعد المستجمر في ماء قليل نجسه ولو عرق كان عرقه نجسا ; لأنه مسح للنجاسة ، فلم يطهر به محلها كسائر المسح .

ووجه الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم { لا تستنجوا بروث ولا عظم ، فإنهما لا يطهران } فمفهومه أن غيرهما يطهر ; ولأن الصحابة رضي الله عنهم ، كان الغالب عليهم الاستجمار ، حتى إن جماعة منهم أنكروا الاستنجاء بالماء ، وسماه بعضهم بدعة وبلادهم حارة ، والظاهر أنهم لا يسلمون من العرق ، فلم ينقل عنهم توقي ذلك ، ولا الاحتراز منه ولا ذكر ذلك أصلا وقد نقل عن ابن عمر ، أنه بال بالمزدلفة فأدخل يده فنضح فرجه من تحت ثيابه وعن إبراهيم النخعي نحو ذلك ، ولولا أنهما اعتقدا طهارته ما فعلا ذلك .

( 223 ) فصل : إذا استنجى بالماء لم يحتج إلى تراب قال أحمد يجزئه الماء وحده .

ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعمل التراب مع الماء في الاستنجاء ولا أمر به ، فأما عدد الغسلات فقد اختلف عن أحمد فيها ; فقال ، في رواية ابنه صالح أقل ما يجزئه من الماء سبع مرات . وقال في رواية محمد بن الحكم : ولكن المقعدة يجزئ أن تمسح بثلاثة أحجار أو يغسلها ثلاث مرات ، ولا يجزئ عندي إذا كان في الجسد أن يغسله ثلاث مرات ، وذلك لما روت عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل مقعدته ثلاثا } رواه ابن ماجه وقال أبو داود سئل أحمد عن حد الاستنجاء بالماء ؟ فقال ينقي .

وظاهر هذا أنه لا عدد فيه إنما الواجب الإنقاء ، وهذا أصح لأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك عدد ، ولا أمر به ، ولا بد من الإنقاء على الروايات كلها ، وهو أن تذهب لزوجة النجاسة وآثارها .

التالي السابق


الخدمات العلمية