صفحة جزء
[ ص: 107 ] فصول في أدب التخلي لا يجوز استقبال القبلة في الفضاء لقضاء الحاجة ، في قول أكثر أهل العلم ; لما روى أبو أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره ، ولكن شرقوا أو غربوا قال أبو أيوب : فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة ، فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل } متفق عليه . ولمسلم ، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها }

وقال عروة بن ربيعة وداود : يجوز استقبالها واستدبارها لما روى جابر قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول ، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها } قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب . وهذا دليل على النسخ ، فيجب تقديمه . ولنا أحاديث النهي ، وهي صحيحة .

وحديث جابر يحتمل أنه رآه في البنيان ، أو مستترا بشيء ولا يثبت النسخ بالاحتمال ويتعين حمله على ما ذكرنا ، ليكون موافقا للأحاديث التي نذكرها ، فأما في البنيان ، أو إذا كان بينه وبين القبلة شيء يستره ففيه روايتان إحداهما لا يجوز أيضا . وهو قول الثوري وأبي حنيفة لعموم الأحاديث في النهي .

والثانية يجوز استقبالها واستدبارها في البنيان ، روي ذلك عن العباس وابن عمر رضي الله عنهما وبه قال مالك : والشافعي وابن المنذر وهو الصحيح ; لحديث جابر وقد حملناه على أنه كان في البنيان ، وروت عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له أن قوما يكرهون استقبال القبلة بفروجهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قد فعلوها استقبلوا بمقعدتي القبلة } رواه أصحاب السنن وأكثر أصحاب المسانيد ، منهم أبو داود الطيالسي ، رواه عن خالد بن الصلت ، عن عراك بن مالك ، عن عائشة . قال أبو عبد الله : أحسن ما روي في الرخصة حديث عائشة ، وإن كان مرسلا فإن مخرجه حسن . قال أحمد : عراك لم يسمع من عائشة . فلذلك سماه مرسلا .

وهذا كله في البنيان ، وهو خاص يقدم على العام . وعن مروان بن الأصفر قال : رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ، ثم جلس يبول إليها . فقلت : يا أبا عبد الرحمن ، أليس قد نهي عن هذا ؟ قال : بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء ، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس . رواه أبو داود .

وهذا تفسير لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم العام وفيه جمع بين الأحاديث ، فيتعين المصير إليه . وعن أحمد : أنه يجوز استدبار الكعبة في البنيان والفضاء جميعا ; لما روى ابن عمر قال : { رقيت يوما على بيت حفصة ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته ، مستقبل الشام مستدبر الكعبة } . متفق عليه .

( 225 ) فصل : ويكره أن يستقبل الشمس والقمر بفرجه ; لما فيهما من نور الله تعالى . فإن استتر عنهما بشيء فلا بأس ; لأنه لو استتر عن القبلة جاز فهاهنا أولى .

ويكره أن يستقبل الريح ; لئلا ترد عليه رشاش البول ، فينجسه .

( 226 ) فصل : ويستحب أن يستتر عن الناس ، فإن وجد حائطا أو كثيبا أو شجرة أو بعيرا استتر به وإن لم يجد شيئا أبعد حتى لا يراه أحد ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من أتى الغائط فليستتر ، فإن لم يجد إلا [ ص: 108 ] أن يجمع كثيبا من الرمل فليستدبره } وروي عنه عليه السلام { أنه خرج ومعه درقة ، ثم استتر بها ، ثم بال } .

وعن جابر قال { : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد . } والبراز : الموضع البارز ، سمي قضاء الحاجة به ; لأنها تقضى فيه . وعن المغيرة بن شعبة ، قال { : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب أبعد } ، روى أحاديث هذا الفصل كلها أبو داود وابن ماجه . وقال عبد الله بن جعفر { : كان أحب ما استتر به النبي صلى الله عليه وسلم إليه لحاجته هدف أو حائش نخل } رواه ابن ماجه .

( 227 ) فصل : ويستحب أن يرتاد لبوله موضعا رخوا ; لئلا يترشش عليه ، { قال أبو موسى كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فأراد أن يتبول ، فأتى دمثا في أصل حائط ، فبال ثم قال إذا أراد أحدكم أن يتبول فليرتد لبوله } رواه الإمام أحمد ويستحب أن يبول قاعدا ; لئلا يترشش عليه ، قال ابن مسعود من الجفاء أن تبول وأنت قائم . وكان سعد بن إبراهيم لا يجيز شهادة من بال قائما ، { قالت عائشة : من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه ، ما كان يبول إلا قاعدا . } قال الترمذي : هذا أصح شيء في الباب

وقد رويت الرخصة فيه عن عمر وعلي ، وابن عمر وزيد بن ثابت وسهل بن سعد وأنس وأبي هريرة وعروة . وروى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم { أتى سباطة قوم ، فبال قائما . } رواه البخاري ، وغيره . ولعل النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لتبيين الجواز ، ولم يفعله إلا مرة واحدة ، ويحتمل أنه كان في موضع لا يتمكن من الجلوس فيه .

وقيل : فعل ذلك لعلة كانت بمأبضه . والمأبض ما تحت الركبة من كل حيوان .

( 228 ) فصل : ويستحب أن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ; لما روى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { كان إذا أراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض } ; ولأن ذلك أستر له فيكون أولى .

( 229 ) فصل : ولا يجوز أن يبول في طريق الناس ، ولا مورد ماء ، ولا ظل ينتفع به الناس ; لما روى معاذ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اتقوا الملاعن الثلاثة - البراز في الموارد ، وقارعة الطريق ، والظل } رواه أبو داود ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتقوا اللعانين . قالوا : وما اللعانان يا رسول الله ؟ قال الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم " أخرجه مسلم

والمورد طريق . ولا يبول تحت شجرة مثمرة ، في حال كون الثمرة عليها لئلا تسقط عليه الثمرة فتتنجس به . فأما في غير حال الثمرة فلا بأس ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب ما استتر به إليه لحاجته هدف أو حائش نخل . ولا يبول في الماء الدائم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن البول في الماء الراكد } . متفق عليه

; ولأن الماء إن كان قليلا تنجس به وإن كان كثيرا ، فربما تغير بتكرار البول فيه ، فأما الجاري فلا يجوز التغوط فيه ; لأنه يؤذي من يمر به ، وإن بال فيه وهو كثير لا يؤثر فيه البول ، فلا بأس ; لأن تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم الراكد بالنهي عن البول فيه دليل على أن الجاري بخلافه ، ولا يبول على ما نهي عن الاستجمار به ; لأن هذا أبلغ من الاستجمار به فالنهي ثم تنبيه على تحريم البول عليه .

ويكره على أن يبول في شق أو ثقب ; لما روى عبد الله بن سرجس { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر } رواه [ ص: 109 ] أبو داود ; لأن عبد الله بن المغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يبولن أحدكم في مستحمه } ولأنه لا يأمن أن يكون فيه حيوان يلسعه أو يكون مسكنا للجن فيتأذى بهم ، فقد حكي أن سعد بن عبادة بال في جحر بالشام ثم استلقى ميتا فسمعت الجن تقول :

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة     ورميناه بسهمين
فلم نخطئ فؤاده

ولا يبول في مستحمه فإن عامة الوسواس منه .

رواه أبو داود ، وابن ماجه وقال : سمعت علي بن محمد الطنافسي يقول : إنما هذا في الحفيرة ; فأما اليوم فمغتسلاتهم الجص والصاروج والقير فإذا بال وأرسل عليه الماء فلا بأس به . وقد قيل : إن البصاق على البول يورث الوسواس ، وإن البول على النار يورث السقم ، وتوقي ذلك كله أولى .

ويكره أن يتوضأ على موضع بوله ، أو يستنجي عليه لئلا يتنجس به .

( 230 ) فصل : ويعتمد في حال جلوسه على رجله اليسرى ، لما روى سراقة بن مالك قال : { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتوكأ على اليسرى وأن ننصب اليمنى } رواه الطبراني في المعجم ; ولأنه أسهل لخروج الخارج ، ولا يطيل المقام أكثر من قدر الحاجة ; لأن ذلك يضره ، وقد قيل : إنه يورث الباسور وقيل : إنه يدمي الكبد ، وربما آذى من ينتظره . ويستحب أن يغطي رأسه ; لأن ذلك يروى عن ، أبي بكر الصديق رضي الله عنه ; ولأنه حال كشف العورة فيستحيي فيها . ويلبس حذاءه ; لئلا تتنجس رجلاه . ولا يذكر الله تعالى على حاجته إلا بقلبه وكره ذلك ابن عباس وعطاء وعكرمة ، وقال ابن سيرين والنخعي لا بأس به ; لأن الله تعالى ذكره محمود على كل حال . ولنا : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد السلام في هذه الحال ، فذكر الله أولى . فإذا عطس حمد الله بقلبه ولم يتكلم . وقال ابن عقيل : فيه رواية أخرى ، إنه يحمد الله بلسانه . والأول أولى ; لما ذكرناه ، فإنه إذا لم يرد السلام الواجب ، فما ليس بواجب أولى . ولا يسلم ولا يرد على مسلم ; لما

روى ابن عمر { أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول ، فسلم فلم يرد عليه السلام } قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وعن جابر ، { أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول ، فسلم عليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي ; فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك } . رواه ابن ماجه .

ولا يتكلم ; لما روى أبو سعيد قال ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتيهما يتحدثان ، فإن الله يمقت على ذلك } رواه أبو داود .

( 231 ) فصل : إذا أراد دخول الخلاء ومعه شيء فيه ذكر الله تعالى استحب وضعه . وقال أنس بن مالك : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه . } رواه ابن ماجه وأبو داود وقال : هذا حديث منكر وقيل : إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يضعه ; لأن فيه " محمد رسول الله " ثلاثة أسطر ، فإن احتفظ بما معه مما فيه ذكر الله تعالى ، واحترز عليه من السقوط ، أو أدار فص الخاتم إلى باطن كفه فلا بأس .

قال أحمد . الخاتم إذا كان فيه اسم الله يجعله في باطن كفه ، ويدخل الخلاء . وقال عكرمة : اقلبه هكذا في باطن كفك فاقبض عليه وبه قال [ ص: 110 ] إسحاق ، ورخص فيه ابن المسيب والحسن وابن سيرين وقال أحمد في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدراهم : أرجو أن لا يكون به بأس .

( 232 ) فصل : ويقدم رجله اليسرى في الدخول ، واليمنى في الخروج ويقول عند دخوله بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث ، ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم . قال أحمد يقول إذا دخل الخلاء : أعوذ بالله من الخبث والخبائث ، وما دخلت قط المتوضأ ولم أقلها إلا أصابني ما أكره ، وعن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث } متفق عليه ، وعن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول : بسم الله } وعن علي قال : قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول : اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم } . رواهما ابن ماجه .

قال أبو عبيد الخبث بسكون الباء الشر والخبائث الشياطين . وقيل الخبث ، بضم الباء والخبائث : ذكران الشياطين وإناثهم فإذا خرج من الخلاء قال غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني . وروى أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء قال غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني } أخرجه ابن ماجه . وقالت عائشة { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال غفرانك } قال الترمذي هذا حديث حسن .

( 233 ) فصل : ولا بأس أن يبول في الإناء قالت أميمة بنت رقيقة { : كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ، ويضعه تحت السرير } . رواه أبو داود والنسائي ، وابن ماجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية