صفحة جزء
( 2326 ) فصل : وإذا لبس الخفين ، لعدم النعلين ، لم يلزمه قطعهما ، في المشهور عن أحمد ، ويروى ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وبه قال عطاء . وعكرمة ، وسعيد بن سالم القداح .

وعن أحمد ، أنه يقطعهما ، حتى يكونا أسفل من الكعبين ، فإن لبسهما من غير قطع ، افتدى . وهذا قول عروة بن الزبير ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، وابن المنذر ، وأصحاب الرأي ; لما روى ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { فمن لم يجد نعلين ، فليلبس الخفين ، وليقطعهما ، حتى يكونا أسفل من الكعبين } . متفق عليه ، وهو متضمن لزيادة على حديث ابن عباس ، وجابر ، والزيادة من الثقة مقبولة .

قال الخطابي : العجب من أحمد في هذا ، فإنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه ، وقلت سنة لم تبلغه . واحتج أحمد بحديث ابن عباس ، وجابر : ( من لم يجد نعلين ، فليلبس خفين ) . مع قول علي رضي الله عنه : قطع الخفين فساد ، يلبسهما كما هما . مع موافقة القياس ، فإنه ملبوس أبيح لعدم غيره ، فأشبه السراويل ، وقطعه لا يخرجه عن حالة الحظر ، فإن لبس المقطوع محرم مع القدرة على النعلين ، كلبس الصحيح ، وفيه إتلاف ماله ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعته . فأما حديث ابن عمر ، فقد قيل إن قوله : ( وليقطعهما ) من كلام نافع . كذلك رويناه في ( أمالي أبي القاسم بن بشران ) ، بإسناد صحيح ، أن نافعا قال بعد روايته للحديث : وليقطع الخفين أسفل من الكعبين .

وروى ابن أبي موسى ، عن صفية بنت أبي عبيد ، عن [ ص: 139 ] عائشة رضي الله عنها { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للمحرم أن يلبس الخفين ، ولا يقطعهما } ، وكان ابن عمر يفتي بقطعهما ، قالت صفية : فلما أخبرته بهذا رجع . وروى أبو حفص ، في ( شرحه ) بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف ، { أنه طاف وعليه خفان ، فقال له عمر : والخفان مع القباء ، فقال : قد لبستهما مع من هو خير منك } . يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويحتمل أن يكون الأمر بقطعهما منسوخا ; فإن عمرو بن دينار روى الحديثين جميعا ، وقال : انظروا أيهما كان قبل ; قال الدارقطني ، قال أبو بكر النيسابوري . حديث ابن عمر قبل ; لأنه قد جاء في بعض رواياته ، قال : { نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ، يعني بالمدينة ، فكأنه كان قبل الإحرام } .

وفي حديث ابن عباس يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { يخطب بعرفات ، يقول : من لم يجد نعلين ، فليلبس خفين } . فيدل على تأخره عن حديث ابن عمر فيكون ناسخا له ، لأنه لو كان القطع واجبا لبينه للناس ، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه ، والمفهوم من إطلاق لبسهما لبسهما على حالهما من غير قطع . والأولى قطعهما ، عملا بالحديث الصحيح ، وخروجا من الخلاف ، وأخذا بالاحتياط .

التالي السابق


الخدمات العلمية