صفحة جزء
( 2337 ) مسألة : قال : ( ولا يظلل على رأسه في المحمل ، فإن فعل فعليه دم ) كره أحمد الاستظلال في المحمل خاصة ، وما كان في معناه ، كالهودج والعمارية والكبيسة ونحو ذلك على البعير . وكره ذلك ابن عمر ، ومالك وعبد الرحمن بن مهدي ، وأهل المدينة . وكان سفيان بن عيينة يقول : لا يستظل ألبتة . ورخص فيه ربيعة ، والثوري ، والشافعي .

وروي ذلك عن عثمان ، وعطاء ; لما روت أم الحصين ، قالت : { حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، فرأيت أسامة وبلالا ، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر ، حتى رمى جمرة العقبة } . رواه مسلم وغيره . ولأنه يباح له التظلل في البيت والخباء ، فجاز في حال الركوب ، كالحلال ، ولأن ما حل للحلال حل للمحرم ، إلا ما قام على تحريمه دليل . واحتج أحمد بقول ابن عمر ، روى عطاء قال : رأى ابن عمر على رحل عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة عودا يستره من الشمس ، فنهاه . وعن نافع ، عن ابن عمر ، أنه رأى رجلا محرما على رحل ، قد رفع ثوبا على عود يستتر به من الشمس ، فقال : اضح لمن أحرمت له . أي ابرز للشمس . رواهما الأثرم . ولأنه ستر بما يقصد به الترفه ، أشبه ما لو غطاه . والحديث ذهب إليه أحمد ، فلم يكره أن يستتر بثوب ونحوه ، فإن ذلك لا يقصد للاستدامة ، والهودج بخلافه ، والخيمة والبيت يرادان لجمع الرحل وحفظه ، لا للترفه . وظاهر كلام أحمد ، أنه إنما كره ذلك كراهة تنزيه ، لوقوع الخلاف فيه ، وقول ابن عمر ، ولم ير ذلك حراما ، ولا موجبا لفدية . قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن المحرم يستظل على المحمل ؟ قال : لا .

وذكر حديث ابن عمر : اضح لمن أحرمت له . قيل له : فإن فعل يهريق دما ؟ قال : أما الدم فلا . قيل : فإن أهل المدينة يقولون : عليه دم . قال : نعم ، أهل المدينة يغلطون فيه .

وقد روي ذلك عن أحمد ، وهو اختيار الخرقي ; لأنه ستر رأسه بما يستدام ويلازمه غالبا ، فأشبه ما لو ستره بشيء يلاقيه . ويروى عن الرياشي قال : رأيت أحمد بن المعذل في الموقف ، في يوم حر شديد ، وقد ضحى [ ص: 143 ] للشمس ، فقلت له : يا أبا الفضل : هذا أمر قد اختلف فيه ، فلو أخذت بالتوسعة . فأنشأ يقول :

ضحيت له كي أستظل بظله إذا الظل أضحى في القيامة قالصا


فوا أسفا إن كان سعيك باطلا     ويا حسرتا إن كان حجك ناقصا

"

التالي السابق


الخدمات العلمية