صفحة جزء
( 2351 ) مسألة : قال : ( ولا يتطيب المحرم ) أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من الطيب . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته راحلته : { لا تمسوه بطيب } . رواه مسلم . وفي لفظ : ( لا تحنطوه ) . متفق عليه . فلما منع الميت من الطيب لإحرامه ، فالحي أولى . ومتى تطيب ، فعليه الفدية ; لأنه استعمل ما حرمه الإحرام ، فوجبت عليه الفدية ، كاللباس . ومعنى الطيب : ما تطيب رائحته ، ويتخذ للشم ، كالمسك ، والعنبر ، والكافور ، والغالية ، والزعفران ، وماء الورد ، والأدهان المطيبة ، كدهن البنفسج ونحوه .

( 2352 ) فصل : والنبات الذي تستطاب رائحته على ثلاثة أضرب : أحدها ، ما لا ينبت للطيب ، ولا يتخذ منه ، كنبات الصحراء ، من الشيح والقيصوم والخزامى ، والفواكه كلها من الأترج والتفاح والسفرجل وغيره ، وما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب ، كالحناء والعصفر ، فمباح شمه ، ولا فدية فيه . ولا نعلم فيه خلافا ، إلا ما روي عن ابن عمر ، أنه كان يكره للمحرم أن يشم شيئا من نبات الأرض ، من الشيح والقيصوم وغيرهما . ولا نعلم أحدا أوجب في ذلك شيئا ، فإنه لا يقصد للطيب ، ولا يتخذ منه طيب ، أشبه سائر نبات الأرض . قد روي { أن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كن يحرمن في المعصفرات } . الثاني ، ما ينبته الآدميون للطيب ، ولا يتخذ منه طيب ، كالريحان الفارسي ، والمرزجوش والنرجس ، والبرم ، ففيه وجهان ; أحدهما ، يباح بغير فدية .

قاله عثمان بن عفان ، وابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وإسحاق . والآخر ، يحرم شمه ، فإن فعل فعليه الفدية . وهو قول جابر ، وابن عمر ، والشافعي ، وأبي ثور ; لأنه يتخذ للطيب ، فأشبه الورد . وكرهه مالك ، وأصحاب الرأي ، ولم يوجبوا فيه شيئا . وكلام أحمد فيه محتمل لها ; فإنه قال في الريحان : ليس من آلة المحرم . ولم يذكر فديته ; وذلك لأنه لا يتخذ منه طيب ، فأشبه العصفر . [ ص: 148 ] الثالث ، ما ينبت للطيب ، ويتخذ منه طيب ، كالورد والبنفسج والياسمين والخيري ، فهذا إذا استعمله وشمه ، ففيه الفدية ; لأن الفدية تجب فيما يتخذ منه ، فكذلك في أصله .

وعن أحمد ، رواية أخرى في الورد : لا فدية عليه في شمه ; لأنه زهر شمه على جهته ، أشبه زهر سائر الشجر . وذكر أبو الخطاب في هذا والذي قبله روايتين . والأولى تحريمه ; لأنه ينبت للطيب ، ويتخذ منه ، أشبه الزعفران والعنبر . قال القاضي : يقال إن العنبر ثمر شجر ، وكذلك الكافور .

( 2353 ) فصل : وإن مس من الطيب ما يعلق بيده ، كالغالية ، وماء الورد ، والمسك المسحوق الذي يعلق بأصابعه ، فعليه الفدية ; لأنه مستعمل للطيب . وإن مس ما لا يعلق بيده ، كالمسك غير المسحوق ، وقطع الكافور ، والعنبر ، فلا فدية ; لأنه غير مستعمل للطيب . فإن شمه ، فعليه الفدية ; لأنه يستعمل هكذا . وإن شم العود ، فلا فدية عليه ; لأنه لا يتطيب به هكذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية