صفحة جزء
( 248 ) مسألة : قال : ومس الفرج . الفرج اسم لمخرج الحدث ، ويتناول الذكر والدبر وقبل المرأة ، وفي نقض الوضوء بجميع ذلك خلاف في المذهب وغيره ; فنذكره إن شاء الله مفصلا : ونبدأ بالكلام في مس الذكر ، فإنه آكدها . فعن أحمد فيه روايتان : إحداهما ، ينقض الوضوء .

وهو مذهب ابن عمر وسعيد بن المسيب وعطاء وأبان بن عثمان وعروة وسليمان بن يسار والزهري والأوزاعي والشافعي ، وهو المشهور عن مالك ، وقد روي أيضا عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وابن سيرين وأبي العالية .

والرواية الثانية ، لا وضوء فيه . روي ذلك عن علي وعمار وابن مسعود وحذيفة وعمران بن حصين وأبي الدرداء ، وبه قال ربيعة والثوري وابن المنذر ، وأصحاب الرأي لما روى قيس بن طلق ، عن أبيه ، قال : { قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي ، فقال : يا رسول الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ ؟ فقال وهل هو إلا بضعة منك أو مضغة منك } رواه أبو داود والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجه ; ولأنه عضو منه ، فكان كسائره ، ووجه الرواية الأولى ما روت بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من مس ذكره فليتوضأ } وعن جابر مثل ذلك وعن أم حبيبة ، وأبي أيوب قالا : سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من مس فرجه فليتوضأ } وفي الباب عن أبي هريرة رواهن ابن ماجه . وقال أحمد حديث بسرة وحديث أم حبيبة صحيحان . وقال الترمذي حديث بسرة حسن صحيح . وقال البخاري : أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة وقال أبو زرعة حديث أم حبيبة أيضا صحيح وقد روي عن بضعة عشر من الصحابة رضوان الله عليهم . فأما خبر قيس فقال أبو زرعة ، وأبو حاتم : قيس ممن لا تقوم بروايته حجة ثم إن حديثنا متأخر ; لأن أبا هريرة قد رواه ، وهو متأخر الإسلام ، صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين ، وكان قدوم طلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يؤسسون المسجد أول زمن الهجرة ، فيكون حديثنا ناسخا له .

وقياس الذكر على سائر البدن لا يستقيم ; لأنه تتعلق به أحكام ينفرد بها ; من وجوب الغسل بإيلاجه والحد والمهر ، وغير ذلك . [ ص: 117 ]

( 249 ) فصل : فعلى رواية النقض لا فرق بين العامد وغيره وبه قال الأوزاعي والشافعي وإسحاق ، وأبو أيوب وأبو خيثمة لعموم الخبر ، وعن أحمد : لا ينتقض الوضوء إلا بمسه قاصدا مسه .

قال أحمد بن الحسين : قيل لأحمد الوضوء من مس الذكر : فقال : هكذا - وقبض على يده - يعني إذا قبض عليه ، وهذا قول مكحول وطاوس وسعيد بن جبير ، وحميد الطويل قالوا : إن مسه يريد وضوءا وإلا فلا شيء عليه ; لأنه لمس ، فلا ينقض الوضوء من غير قصد كلمس النساء .

( 250 ) فصل : ولا فرق بين بطن الكف وظهره . وهذا قول عطاء والأوزاعي وقال مالك والليث والشافعي وإسحاق : لا ينقض مسه إلا بباطن كفه ; لأن ظاهر الكف ليس بآلة للمس ، فأشبه ما لو مسه بفخذه .

واحتج أحمد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم { إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس بينهما سترة فليتوضأ } وفي لفظ : { إذا أفضى أحدكم إلى ذكره فقد وجب عليه الوضوء } رواه الشافعي في مسنده وظاهر كفه من يده ، والإفضاء : اللمس من غير حائل ; ولأنه جزء من يده تتعلق به الأحكام المعلقة على مطلق اليد ، فأشبه باطن الكف .

( 251 ) فصل : ولا ينقض مسه بذراعه . وعن أحمد أنه ينقض ; لأنه من يده ، وهو قول عطاء والأوزاعي . والصحيح الأول ; لأن الحكم المعلق على مطلق اليد في الشرع لا يتجاوز الكوع ، بدليل قطع السارق ، وغسل اليد من نوم الليل ، والمسح في التيمم ، وإنما وجب غسله في الوضوء ; لأنه قيده بالمرافق ; ولأنه ليس بآلة للمس ، أشبه العضد ، وكونه من يده يبطل بالعضد فإنه لا خلاف بين العلماء فيه .

( 252 ) فصل : ولا فرق بين ذكره وذكر غيره ، وقال داود : لا ينقض مس ذكر غيره ; لأنه لا نص فيه والأخبار إنما وردت في ذكر نفسه ، فيقتصر عليه .

ولنا أن مس ذكر غيره معصية ، وأدعى إلى الشهوة ، وخروج الخارج ، وحاجة الإنسان تدعو إلى مس ذكر نفسه ، فإذا انتقض بمس ذكر نفسه فبمس ذكر غيره أولى ، وهذا تنبيه يقدم على الدليل ، وفي بعض ألفاظ خبر بسرة : " من مس الذكر فليتوضأ " .

( 253 ) فصل : ولا فرق بين ذكر الصغير والكبير . وبه قال عطاء والشافعي وأبو ثور وعن الزهري والأوزاعي : لا وضوء على من مس ذكر الصغير ; لأنه يجوز مسه والنظر إليه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه قبل زبيبة الحسن ، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم مس زبيبة الحسن ولم يتوضأ . }

ولنا عموم قوله : " من مس الذكر فليتوضأ " ولأنه ذكر آدمي متصل به ، أشبه الكبير ، والخبر ليس بثابت . ثم إن نقض اللمس لا يلزم منه كون القبلة ناقضة . ثم ليس فيه أنه صلى ولم يتوضأ ، فيحتمل أنه لم يتوضأ في مجلسه ، وجواز اللمس والنظر يبطل بذكر نفسه .

( 254 ) فصل : وفرج الميت كفرج الحي لبقاء الاسم والحرمة ، لاتصاله بجملة الآدمي ، وهو قول الشافعي . وقال إسحاق : لا وضوء عليه . وفي الذكر المقطوع وجهان : أحدهما ، ينقض ; لبقاء اسم الذكر . والآخر لا ينقض ; [ ص: 118 ] لذهاب الحرمة ، وعدم الشهوة بمسه ، فأشبه ثيل الجمل . ولو مس القلفة التي تقطع في الختان قبل قطعها ، انتقض وضوءه ; لأنها من جلدة الذكر . وإن مسها بعد القطع فلا وضوء عليه ; لزوال الاسم والحرمة .

( 255 ) فصل : فأما مس حلقة الدبر ، فعنه روايتان أيضا : إحداهما لا ينقض الوضوء . وهو مذهب مالك . قال الخلال : العمل والأشيع في قوله وحجته ، أنه لا يتوضأ من مس الدبر ; لأن المشهور من الحديث : " من مس ذكره فليتوضأ " وهذا ليس في معناه ; لأنه لا يقصد مسه ، ولا يفضي إلى خروج خارج . والثانية ينقض . نقلها أبو داود . وهو مذهب عطاء والزهري والشافعي ; لعموم قوله : " من مس فرجه فليتوضأ " ولأنه أحد الفرجين ، أشبه الذكر .

( 256 ) فصل : وفي مس المرأة فرجها أيضا روايتان : إحداهما ينقض ; لعموم قوله : " من مس فرجه فليتوضأ " وروى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : { أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ } ولأنها آدمي مس فرجه ، فانتقض وضوءه كالرجل . والأخرى لا ينتقض .

قال المروذي : قيل لأبي عبد الله ، فالجارية إذا مست فرجها أعليها وضوء ؟ قال : لم أسمع في هذا بشيء . قلت لأبي عبد الله : حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ " فتبسم ، وقال : هذا حديث الزبيدي ، وليس إسناده بذاك ; ولأن الحديث المشهور في مس الذكر ، وليس مس المرأة فرجها في معناه ; لكونه لا يدعو إلى خروج خارج ، فلم ينقض .

( 257 ) فصل : فأما لمس فرج الخنثى المشكل فلا يخلو من أن يكون اللمس منه أو من غيره ; فإن كان اللمس منه فلمس أحد فرجيه ، لم ينتقض وضوءه ; لأنه يحتمل أن يكون الملموس خلقة زائدة . وإن لمسهما جميعا ، وقلنا : لا ينقض وضوء المرأة مس فرجها . لم ينتقض وضوءه ; لجواز أن يكون امرأة مست فرجها ، أو خلقة زائدة ، وإن قلنا : ينقض . انتقض وضوءه ; لأنه لا بد أن يكون أحدهما فرجا ، وإن كان اللامس رجلا ، فمس الذكر لغير شهوة ، لم ينتقض وضوءه .

وإن مسه لشهوة ، انتقض وضوءه في ظاهر المذهب ; فإنه إن كان ذكرا فقد مسه وإن كان أنثى فقد مسها لشهوة . وإن مس قبل المرأة لم ينتقض وضوءه ; لجواز أن يكون خلقة زائدة من رجل . وإن مسهما جميعا لشهوة ، انتقض وضوءه ; لما ذكرنا في الذكر .

وإن كان لغير شهوة ، انتقض وضوءه في الظاهر ; لأنه لا يخلو من أن يكون مس ذكر رجل أو فرج امرأة . وإن كان اللامس امرأة ، فلمست أحدهما لغير شهوة ، لم ينتقض وضوءها . وإن لمست الذكر لشهوة ، لم ينتقض وضوءها ; لجواز أن يكون خلقة زائدة من امرأة . فإن مست فرج المرأة لشهوة ، انبنى على مس المرأة الرجل لشهوة ، فإن قلنا ينقض . انتقض وضوءها هاهنا لذلك . وإلا لم ينتقض . وإن مستهما جميعا لغير شهوة ، وقلنا : إن مس فرج المرأة ينقض الوضوء . انتقض وضوءها هاهنا ، وإلا فلا . وإن كان اللامس خنثى مشكلا لم ينتقض وضوءه ، إلا أن يجمع بين الفرجين في اللمس .

ولو مس أحد الخنثيين ذكر الآخر ، ومس الآخر فرجه ، وكان اللمس منهما لشهوة ، أو لغيرها فلا وضوء على واحد منهما لأن كل واحد منهما على انفراده يقين الطهارة باق في حقه ، والحدث مشكوك فيه . فلا نزول عن اليقين بالشك ; لأنه يحتمل [ ص: 119 ] أن يكونا جميعا امرأتين ، فلا ينتقض وضوء لامس الذكر ، ويحتمل أن يكونا رجلين ، فلا ينتقض وضوء لامس الفرج . وإن مس كل واحد منهما ذكر الآخر ، احتمل أن يكونا امرأتين ، وقد مس كل واحد منهما خلقة زائدة من الآخر . وإن مس كل واحد منهما قبل الآخر ، احتمل أن يكونا رجلين .

التالي السابق


الخدمات العلمية