صفحة جزء
( 2455 ) مسألة : قال : ( ورمل ثلاثة أشواط ، ومشى أربعة ، كل ذلك من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ) معنى الرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطو من غير وثب . وهو سنة في الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم . ولا نعلم فيه بين أهل العلم خلافا . وقد ثبت { أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثا ، ومشى أربعا } . رواه جابر ، وابن عباس ، وابن عمر ، وأحاديثهم متفق عليها فإن قيل : إنما رمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لإظهار الجلد للمشركين ، ولم يبق ذلك المعنى ، إذ قد نفى الله المشركين ، فلم قلتم : إن الحكم يبقى بعد زوال علته ؟ قلنا : قد رمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، واضطبع في حجة الوداع بعد الفتح ، فثبت أنها سنة ثابتة .

وقال ابن عباس : { رمل النبي صلى الله عليه وسلم في عمره كلها ، وفي حجه } وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، والخلفاء من بعده . رواه أحمد ، في ( المسند ) . وقد ذكرنا حديث عمر . إذا ثبت هذا ، فإن الرمل سنة في الأشواط الثلاثة بكمالها ، يرمل من الحجر إلى أن يعود إليه ، لا يمشي في شيء منها . روي ذلك عن عمر ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وابن الزبير رضي الله عنهم وبه قال عروة ، والنخعي ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

وقال طاوس ، وعطاء ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله : يمشي ما بين الركنين ; لما روى ابن عباس ، قال : { قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة ، وقد وهنتهم الحمى ، فقال المشركون : إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب ، ولقوا منها شرا . فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا ، فلما قدموا قعد المشركون مما يلي الحجر ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة ، ويمشوا ما بين الركنين ، [ ص: 185 ] ليرى المشركون جلدهم ، فلما رأوهم رملوا ، قال المشركون : هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم ، هؤلاء أجلد منا } . قال ابن عباس : ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها ، إلا الإبقاء عليهم . متفق عليه .

ولنا ، ما روى ابن عمر ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر إلى الحجر } . وفي مسلم ، عن جابر ، قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر ، حتى انتهى إليه } . وهذا يقدم على حديث ابن عباس ; لوجوه ، منها أن هذا إثبات ، ومنها أن رواية ابن عباس إخبار عن عمرة القضية ، وهذا إخبار عن فعل في حجة الوداع ، فيكون متأخرا ، فيجب العمل به وتقديمه ، الثالث أن ابن عباس كان في تلك الحال صغيرا ، لا يضبط مثل جابر وابن عمر ، فإنهما كانا رجلين ، يتتبعان أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ويحرصان على حفظها ، فهما أعلم ، ولأن جلة الصحابة عملوا بما ذكرنا ، ولو علموا من النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ابن عباس ما عدلوا عنه إلى غيره ، ويحتمل أن يكون ما رواه ابن عباس اختص بالذين كانوا في عمرة القضية ; لضعفهم ، والإبقاء عليهم ، وما رويناه سنة في سائر الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية