صفحة جزء
[ ص: 21 ] قال أبو القاسم رحمه الله : باب ما تكون به الطهارة من الماء ، التقدير : هذا باب ما تكون به الطهارة من الماء ، فحذف المبتدأ للعلم به ، وقوله " ما تكون الطهارة به " ، أي تحصل وتحدث ، وهي هاهنا تامة غير محتاجة إلى خبر .

ومتى كانت تامة كانت بمعنى الحدث والحصول ، تقول : كان الأمر ، أي حدث ووقع ; قال الله تعالى : { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } أي : إن وجد ذو عسرة .

وقال الشاعر

إذا كان الشتاء فأدفئوني فإن الشيخ يهرمه الشتاء

أي إذا جاء الشتاء . وفي نسخة مقروءة على ابن عقيل : ( باب ما تجوز به الطهارة من الماء ) ومعناهما متقارب .

والطهارة في اللغة : النزاهة عن الأقذار ، وفي الشرع : رفع ما يمنع الصلاة من حدث أو نجاسة بالماء ، أو رفع حكمه بالتراب .

فعند إطلاق لفظ الطهارة في لفظ الشارع أو كلام الفقهاء ينصرف إلى الموضوع الشرعي دون اللغوي وكذلك كل ماله موضوع شرعي ولغوي ، إنما ينصرف المطلق منه إلى الموضوع الشرعي كالوضوء ، والصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحج ، ونحوه ; لأن الظاهر من صاحب الشرع التكلم بموضوعاته .

والطهور - بضم الطاء - : المصدر ، قاله اليزيدي والطهور - بالفتح - من الأسماء المتعدية ، وهو الذي يطهر غيره ، مثل الغسول الذي يغسل به .

وقال بعض الحنفية : هو من الأسماء اللازمة ، بمعنى الطاهر سواء ; لأن العرب لا تفرق بين الفاعل والمفعول في التعدي واللزوم ، فما كان فاعله لازما كان فعوله لازما .

بدليل قاعد وقعود ، ونائم ونئوم ، وضارب [ ص: 22 ] وضروب . وهذا غير صحيح ; فإن الله تعالى قال { ليطهركم به } ، وروى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي ; نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } . متفق عليه ، ولو أراد به الطاهر لم يكن فيه مزية ; لأنه طاهر في حق كل أحد .

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم { عن التوضؤ بماء البحر ، فقال : هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته . }

ولو لم يكن الطهور متعديا لم يكن ذلك جوابا للقوم ، حيث سألوه عن التعدي ، إذ ليس كل طاهر مطهرا ، وما ذكروه لا يستقيم ; لأن العرب فرقت بين الفاعل والفعول ، فقالت : قاعد لمن وجد منه القعود ، وقعود لمن يتكرر منه ذلك ، فينبغي أن يفرق بينهما هاهنا ، وليس إلا من حيث التعدي واللزوم .

( 1 ) مسألة : قال أبو القاسم ، رحمه الله : ( والطهارة بالماء الطاهر المطلق الذي لا يضاف إلى اسم شيء غيره : مثل ماء الباقلا ، وماء الورد ، وماء الحمص وماء الزعفران ، وما أشبهه ، مما لا يزايل اسمه اسم الماء في وقت ) .

قوله " " والطهارة " مبتدأ خبره محذوف ، تقديره : والطهارة مباحة ، أو جائزة ، ونحو ذلك ، والألف واللام للاستغراق ، فكأنه قال : وكل طهارة جائزة بكل ماء طاهر مطلق ، والطاهر : ما ليس بنجس .

والمطلق : ما ليس بمضاف إلى شيء غيره . وهو معنى قوله " لا يضاف إلى اسم شيء غيره " . وإنما ذكره صفة له وتبيينا ، ثم مثل الإضافة ، فقال : " مثل ماء الباقلا ، وماء الورد ، وماء الحمص ، وماء الزعفران ، وما أشبهه " .

وقوله : " مما لا يزايل اسمه اسم الماء في وقت " ، صفة للشيء الذي يضاف إليه الماء ، ومعناه : لا يفارق اسمه اسم الماء . والمزايلة : المفارقة ; قال الله تعالى : { لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما } ، وقال أبو طالب

وقد طاوعوا أمر العدو المزايل

أي المفارق . أي : لا يذكر الماء إلا مضافا إلى المخالط له في الغالب .

ويفيد هذا الوصف الاحتراز من المضاف إلى مكانه ومقره ، كماء النهر والبئر ; فإنه إذا زال عن مكانه زالت النسبة في الغالب ، وكذلك ما تغيرت رائحته تغيرا يسيرا ، فإنه لا يضاف في الغالب .

وقال القاضي : هذا احتراز من المتغير بالتراب ; لأنه يصفو عنه ، ويزايل اسمه اسمه . وقد دلت هذه المسألة على أحكام منها إباحة الطهارة بكل ماء موصوف بهذه الصفة التي ذكرها ، على أي صفة كان من أصل الخلقة ، من الحرارة والبرودة ، والعذوبة والملوحة ، نزل من السماء ، أو نبع من الأرض ، في بحر أو نهر أو بئر أو غدير ، أو غير ذلك .

وقد دل على ذلك قول الله تعالى : { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } ، وقوله سبحانه : { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم { : الماء طهور لا ينجسه شيء } ، وقوله في البحر : { هو الطهور ماؤه الحل ميتته } .

وهذا قول عامة أهل العلم ، إلا أنه حكي عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو ، أنهما قالا في البحر : التيمم أعجب إلينا منه . هو نار .

وحكاه الماوردي عن سعيد بن المسيب . والأول أولى ، لقول الله تعالى : [ ص: 23 ] { فلم تجدوا ماء فتيمموا } وماء البحر ماء ، لا يجوز العدول إلى التيمم مع وجوده .

وروي عن أبي هريرة قال : { سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إنا نركب البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو الطهور ماؤه الحل ميتته } أخرجه أبو داود ، والنسائي والترمذي ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : " من لم يطهره ماء البحر فلا طهره الله " ولأنه ماء باق على أصل خلقته ، فجاز الوضوء به كالعذب .

وقولهم : " هو نار " إن أريد به أنه نار في الحال فهو خلاف الحس ، وإن أريد أنه يصير نارا ، لم يمنع ذلك الوضوء به حال كونه ماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية