صفحة جزء
( 2499 ) مسألة : قال : ( ومن كان مفردا ، أو قارنا ، أحببنا له أن يفسخ إذا طاف وسعى ، ويجعلها عمرة ، إلا أن يكون معه هدي ، فيكون على إحرامه ) أما إذا كان معه هدي ، فليس له أن يحل من إحرام الحج ، ويجعله عمرة ، بغير خلاف نعلمه . وقد روى ابن عمر ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة ، قال للناس : من كان منكم أهدى ، فإنه لا يحل من شيء حرم منه ، حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى ، فليطف بالبيت ، وبالصفا والمروة ، وليقصر ، وليحلل ، ثم ليهل بالحج ، وليهد ، ومن لم يجد هديا ، فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله } . متفق عليه .

وأما من لا هدي معه ، ممن كان مفردا أو قارنا ، فيستحب له إذا طاف وسعى أن يفسخ نيته بالحج ، وينوي عمرة مفردة ، فيقصر ، ويحل من إحرامه ; ليصير متمتعا ، إن لم يكن وقف بعرفة . وكان ابن عباس يرى أن من طاف بالبيت ، وسعى ، فقد حل ، وإن لم ينو ذلك . وبما ذكرناه قال الحسن ، ومجاهد ، وداود ، وأكثر أهل العلم ، على أنه لا يجوز له ذلك ; لأن الحج أحد النسكين ، فلم يجز فسخه كالعمرة ، فروى ابن ماجه ، بإسناده ، عن الحارث بن بلال المزني ، عن أبيه { ، أنه قال : يا رسول الله ، فسخ الحج لنا خاصة ، أو لمن أتى ؟ قال : لنا خاصة } .

وروي أيضا عن المرقع الأسدي ، عن أبي ذر قال : { كان ما أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا مكة ، أن نجعلها عمرة ، ونحل من كل شيء ، أن تلك كانت لنا خاصة ، رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم دون جميع الناس } .

ولنا ، أنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه في حجة الوداع الذين أفردوا الحج وقرنوا ، أن يحلوا كلهم ، ويجعلوها عمرة ، إلا من كان معه الهدي ، وثبت ذلك في أحاديث كثيرة ، متفق عليهن ، بحيث يقرب من التواتر والقطع ، ولم يختلف في صحة ذلك وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد من أهل العلم علمناه

وذكر أبو حفص ، في ( شرحه ) ، قال : سمعت أبا عبد الله بن بطة يقول : سمعت أبا بكر بن أيوب يقول : سمعت إبراهيم الحربي يقول ، وسئل عن فسخ الحج ، فقال : قال سلمة بن شبيب لأحمد بن حنبل : يا أبا عبد الله ، كل شيء منك حسن جميل ، إلا خلة واحدة . فقال : وما هي ؟ قال تقول بفسخ الحج . فقال أحمد : قد كنت أرى أن لك عقلا ، عندي ثمانية عشر حديثا صحاحا جيادا ، كلها في فسخ الحج ، أتركها لقولك

وقد روى فسخ الحج ابن عمر ، وابن عباس ، وجابر ، وعائشة ، وأحاديثهم متفق عليها . ورواه غيرهم ، وأحاديثهم كلها صحاح . قال أحمد : روي الفسخ عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر ، وعائشة ، وأسماء ، والبراء ، وابن عمر ، وسبرة الجهني ، وفي لفظ حديث جابر ، قال : { أهللنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج خالصا وحده ، وليس معه عمرة ، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبح رابعة مضت من ذي الحجة ، فلما قدمنا ، أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحل ، قال : حلوا ، وأصيبوا من النساء . قال : فبلغه عنا أنا نقول : لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس ليال ، أمرنا أن نحل إلى نسائنا ، فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المني . قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قد علمتم أني أتقاكم لله ، وأصدقكم ، وأبركم ، ولولا هديي لحللت كما تحلون ، فحلوا ، [ ص: 201 ] ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ، ما أهديت . قال : فحللنا ، وسمعنا ، وأطعنا . قال فقال سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي : متعتنا هذه يا رسول الله لعامنا هذا ، أم للأبد ؟ فظنه محمد بن بكر ، أنه قال : للأبد } . متفق عليه . فأما حديثهم ، فقال أحمد : روى هذا الحديث الحارث بن بلال ، فمن الحارث بن بلال ؟ يعني أنه مجهول . ولم يروه إلا الدراوردي ، وحديث أبي ذر رواه مرقع الأسدي ، فمن مرقع الأسدي ، شاعر من أهل الكوفة ، ولم يلق أبا ذر . فقيل له : أفليس قد روى الأعمش عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر ؟ قال : كانت متعة الحج لنا خاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : أفيقول بهذا أحد ؟ المتعة في كتاب الله ، وقد أجمع الناس على أنها جائزة . قال الجوزجاني : مرقع الأسدي ليس بمشهور ، ومثل هذه الأحاديث في ضعفها وجهالة رواتها ، لا تقبل إذا انفردت ، فكيف تقبل في رد حكم ثابت بالتواتر ، مع أن قول أبي ذر من رأيه ، وقد خالفه من هو أعلم منه ، وقد شذ به عن الصحابة ، رضي الله عنهم ، فلا يلتفت إلى هذا ، وقد اختلف لفظه ، ففي أصح الطريقين عنه قوله مخالف لكتاب الله تعالى ، وقول رسول الله ، وإجماع المسلمين ، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة الصحيحة ، فلا يحل الاحتجاج به . وأما قياسهم في مقابلة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقبل ، على أن قياس الحج على العمرة في هذا لا يصح ، فإنه يجوز قلب الحج إلى العمرة في حق من فاته الحج ، ومن حصر عن عرفة ، والعمرة لا تصير حجا بحال . ولأن فسخ الحج إلى العمرة يصير به متمتعا ، فتحصل الفضيلة ، وفسخ العمرة إلى الحج يفوت الفضيلة ، ولا يلزم من مشروعية ما يحصل به الفضيلة مشروعية تفويتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية