صفحة جزء
( 2502 ) مسألة : قال : ( وإذا كان يوم التروية ، أهل بالحج ، ومضى إلى منى ) يوم التروية : اليوم الثامن من ذي الحجة . سمي بذلك لأنهم كانوا يتروون من الماء فيه ، يعدونه ليوم عرفة . وقيل : سمي بذلك ; لأن إبراهيم عليه السلام رأى ليلتئذ في المنام ذبح ابنه ، فأصبح يروي في نفسه أهو حلم أم من الله تعالى ؟ فسمي يوم التروية ، فلما كانت ليلة عرفة رأى ذلك أيضا ، فعرف أنه من الله تعالى ، فسمي يوم عرفة ، والله أعلم . والمستحب لمن كان بمكة حلالا من المتمتعين الذين حلوا من عمرتهم ، أو من كان مقيما بمكة من أهلها ، أو من غيرهم ، أن يحرموا يوم التروية حين يتوجهون إلى منى .

وبهذا قال ابن عمر ، وابن عباس ، وعطاء ، وطاوس ، وسعيد بن جبير وإسحاق . وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأهل مكة : ما لكم يقدم الناس عليكم شعثا ، إذا رأيتم الهلال فأهلوا بالحج . وهذا مذهب ابن الزبير . وقال مالك : من كان بمكة ، فأحب أن يهل من المسجد لهلال ذي الحجة .

ولنا ، قول جابر : فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ، فأهلوا بالحج . وفي لفظ عن جابر ، قال : { أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما حللنا ، أن نحرم إذا توجهنا إلى منى ، فأهللنا من الأبطح ، حتى إذا كان يوم التروية ، وجعلنا مكة بظهر ، أهللنا بالحج } . رواه مسلم .

وعن عبيد بن جريج ، أنه قال لعبد الله بن عمر : رأيتك إذا كنت بمكة ، أهل الناس ولم تهل أنت ، حتى يكون يوم التروية ؟ فقال عبد الله بن عمر : أما الإهلال ، فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته . متفق عليه . ولأنه ميقات للإحرام ، فاستوى فيه أهل مكة وغيرهم ، كميقات المكان .

وإن أحرم قبل ذلك ، كان جائزا [ ص: 205 ] فصل : ومن حيث أحرم من مكة جاز ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المواقيت : { حتى أهل مكة يهلون منها } . وإن أحرم خارجا منها من الحرم جاز ; لقول جابر : { فأهللنا من الأبطح . ويستحب أن يفعل عند إحرامه هذا ما يفعله عند الإحرام من الميقات ، من الغسل والتنظيف ، ويتجرد عن المخيط ، ويطوف سبعا ، ويصلي ركعتين ، ثم يحرم عقيبهما } . وممن استحب ذلك عطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير والثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، وابن المنذر . ولا يسن أن يطوف بعد إحرامه .

قال ابن عباس : لا أرى لأهل مكة أن يطوفوا بعد أن يحرموا بالحج ، ولا أن يطوفوا بين الصفا والمروة ، حتى يرجعوا . وهذا مذهب عطاء ، ومالك ، وإسحاق . وإن طاف بعد إحرامه ، ثم سعى ، لم يجزئه عن السعي الواجب . وهو قول مالك .

وقال الشافعي : يجزئه . وفعله ابن الزبير ، وأجازه القاسم بن محمد ، وابن المنذر ; لأنه سعى في الحج مرة ، فأجزأه ، كما لو سعى بعد رجوعه من منى . ولنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يهلوا بالحج إذا خرجوا إلى منى . وقالت عائشة : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف الذين أهلوا بعمرة بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم . ولو شرع لهم الطواف قبل الخروج ، لم يتفقوا على تركه .

التالي السابق


الخدمات العلمية