صفحة جزء
( 2626 ) مسألة : قال : ( وإن وطئ بعد رمي جمرة العقبة ، فعليه دم ، ويمضي إلى التنعيم فيحرم ; ليطوف وهو محرم ) وفي هذه المسألة ثلاثة فصول ( 2627 ) : أحدها ، أن الوطء بعد الجمرة لا يفسد الحج . وهو قول ابن عباس ، وعكرمة ، وعطاء ، والشعبي ، وربيعة ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي .

وقال النخعي ، والزهري ، وحماد : عليه حج من قابل ; لأن الوطء صادف إحراما من الحج ، فأفسده ، كالوطء قبل الرمي . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { من شهد صلاتنا هذه ، ووقف معنا حتى ندفع ، وكان قد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه ، وقضى تفثه } . ولأنه قول ابن عباس ، فإنه قال في رجل أصاب أهله قبل أن يفيض يوم النحر : ينحران جزورا بينهما ، وليس عليه الحج من قابل . ولا نعرف له مخالفا في الصحابة .

ولأن الحج عبادة لها تحللان ، فوجود المفسد بعد تحللها الأول لا يفسدها ، كبعد التسليمة الأولى في الصلاة ، وبهذا فارق ما قبل التحلل الأول . [ ص: 255 ] الفصل الثاني ، أن الواجب عليه بالوطء شاة . هذا ظاهر كلام الخرقي . ونص عليه أحمد . وقول عكرمة ، وربيعة ، ومالك ، وإسحاق .

وقال القاضي : فيه رواية أخرى ، أن عليه بدنة . وهو قول ابن عباس ، وعطاء ، والشعبي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ; لأنه وطئ في الحج ، فوجبت عليه بدنة ، كما قبل رمي جمرة العقبة .

ولنا ، أنه وطء لم يفسد ، فلم يوجب كالوطء دون الفرج إذا لم ينزل . ولأن حكم الإحرام خف بالتحلل الأول ، فينبغي أن يكون موجبه دون موجب الإحرام التام . ( 2629 ) الفصل الثالث ، أنه يفسد الإحرام بالوطء بعد رمي الجمرة ، ويلزمه أن يحرم من الحل . وبذلك قال عكرمة ، وربيعة ، وإسحاق .

وقال ابن عباس ، وعطاء ، والشعبي ، والشافعي : حجه صحيح ، ولا يلزمه الإحرام ; لأنه إحرام لا يفسد جميعه ، فلم يفسد بعضه ، كما لو وطئ بعد التحلل الثاني .

ولنا ، أنه وطء صادف إحراما ، فأفسده ، كالإحرام التام ، وإذا فسد إحرامه ، فعليه أن يحرم ليأتي بالطواف في إحرام صحيح ; لأن الطواف ركن ، فيجب أن يأتي به في إحرام صحيح ، كالوقوف ، ويلزمه الإحرام من الحل ; لأن الإحرام ينبغي أن يجمع فيه بين الحل والحرم ، فلو أبحنا لهذا الإحرام من الحرم لم يجمع بينهما ; لأن أفعاله كلها تقع في الحرم ، فأشبه المعتمر . وإذا أحرم من الحل ، طاف للزيارة ، وسعى إن كان لم يسع في حجه .

وإن كان سعى ، طاف للزيارة ، وتحلل . هذا ظاهر كلام الخرقي ; لأن الذي بقي عليه بقية أفعال الحج ، وإنما وجب عليه الإحرام ليأتي بها في إحرام صحيح . والمنصوص عن أحمد ومن وافقه من الأئمة ، أنه يعتمر ، فيحتمل أنهم أرادوا هذا أيضا ، وسموه عمرة ; لأن هذا هو أفعال العمرة ; ويحتمل أنهم أرادوا عمرة حقيقية ، فيلزمه سعي وتقصير . والأول أصح ; لما ذكرنا . وقول الخرقي : " يحرم من التنعيم " . لم يذكره لتعيين الإحرام منه ، بل لأنه حل ، فمن أحل وأحرم جاز كالمعتمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية