صفحة جزء
( 2661 ) مسألة : قال : ( وإن لبس أو تطيب ناسيا ، فلا فدية عليه ، ويخلع اللباس ، ويغسل الطيب ، ويفرغ إلى التلبية ) المشهور في المذهب أن المتطيب أو اللابس ناسيا أو جاهلا لا فدية عليه . وهو مذهب عطاء ، والثوري ، وإسحاق ، وابن المنذر .

وقال أحمد . قال سفيان : ثلاثة في الجهل والنسيان سواء ; إذا أتى أهله ، وإذا أصاب صيدا ، وإذا حلق رأسه . قال أحمد : إذا جامع أهله بطل حجه . لأنه شيء لا يقدر على رده ، والصيد إذا قتله فقد ذهب لا يقدر على رده ، والشعر إذا حلقه فقد ذهب ، فهذه الثلاثة العمد والخطأ والنسيان فيها سواء ، وكل شيء من النسيان بعد الثلاثة فهو يقدر على رده ، مثل إذا غطى المحرم رأسه ثم ذكر ، ألقاه عن رأسه ، وليس عليه شيء ، أو لبس خفا ، نزعه ، وليس عليه شيء . وعنه رواية أخرى ، أن عليه الفدية في كل حال . وهو مذهب مالك ، والليث ، والثوري ، وأبي حنيفة ; لأنه هتك حرمة الإحرام ، فاستوى عمده وسهوه ، كحلق الشعر ، وتقليم الأظفار .

ولنا ، عموم قوله عليه السلام : { عفي لأمتي عن الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه } . وروى يعلى بن أمية ، { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة ، وعليه جبة ، وعليه أثر خلوق ، أو قال : أثر صفرة ، فقال يا رسول الله ، كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ؟ قال : اخلع عنك هذه الجبة ، واغسل عنك أثر هذا الخلوق أو قال : أثر [ ص: 264 ] الصفرة ، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك } . متفق عليه .

وفي لفظ ، قال : يا رسول الله ، { أحرمت بالعمرة ، وعلي هذه الجبة } . فلم يأمره بالفدية مع مسألته عما يصنع ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز إجماعا ، دل على أنه عذره لجهله ، والجاهل والناسي واحد ، ولأن الحج عبادة يجب بإفسادها الكفارة ، فكان من محظوراته أنه ما يفرق بين عمده وسهوه ، كالصوم ، فأما الحلق وقتل الصيد ، فهو إتلاف لا يمكن رد تلافيه ، بإزالته .

إذا ثبت هذا ، فإن الناسي متى ذكر ، فعليه غسل الطيب وخلع اللباس في الحال ، فإن أخر ذلك عن زمن الإمكان ، فعليه الفدية . فإن قيل : فلم لا يجوز له استدامة الطيب هاهنا ، كالذي يتطيب قبل إحرامه ؟ قلنا : لأن ذلك فعل مندوب إليه ، فكان له استدامته ، وها هنا هو محرم ، وإنما سقط حكمه بالنسيان أو الجهل ، فإذا زال ظهر حكمه .

وإن تعذر عليه إزالته ، لإكراه أو علة ، ولم يجد من يزيله ، وما أشبه ذلك ، فلا فدية عليه ، وجرى مجرى المكره على الطيب ابتداء . وحكم الجاهل إذا علم ، حكم الناسي إذا ذكر ، وحكم المكره حكم الناسي ، فإن ما عفي عنه بالنسيان ، عفي عنه بالإكراه ; لأنهما قرينان في الحديث الدال على العفو عنهما . وقول الخرقي : { يفرغ إلى التلبية } . أي يلبي حين ذكر استذكارا للحج أنه نسيه ، واستشعارا بإقامته عليه ورجوعه إليه . وهذا قول يروى عن إبراهيم النخعي .

التالي السابق


الخدمات العلمية