صفحة جزء
( 2669 ) الفصل الخامس ، أن الجزاء إنما يجب في صيد البر دون صيد البحر ، بغير خلاف ; لقول الله تعالى { : أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما . } [ ص: 268 ] قال ابن عباس : طعامه ما لفظه . ولا فرق بين حيوان البحر الملح وبين ما في الأنهار والعيون ، فإن اسم البحر يتناول الكل ، قال الله تعالى { : وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا } .

ولأن الله تعالى قابله بصيد البر ، بقوله { : وحرم عليكم صيد البر } . فدل على أن ما ليس من صيد البر فهو من صيد البحر ، وحيوان البحر ما كان يعيش في الماء ، ويفرخ ويبيض فيه ، فإن كان مما لا يعيش إلا في الماء كالسمك ونحوه ، فهذا مما لا خلاف فيه ، وإن كان مما يعيش في البر ، كالسلحفاة والسرطان ، فهو كالسمك ، لا جزاء فيه .

وقال عطاء : فيه الجزاء ، وفي الضفدع وكل ما يعيش في البر . ولنا ، أنه يفرخ في الماء ويبيض فيه ، فكان من حيوانه ، كالسمك ، فأما طير الماء ، ففيه الجزاء في قول عامة أهل العلم ; منهم الأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي ، وغيرهم . لا نعلم فيه مخالفا ، غير ما حكي عن عطاء ، أنه قال : حيثما يكون أكثر فهو من صيده .

ولنا ، أن هذا إنما يفرخ في البر ويبيض فيه ، وإنما يدخل الماء ليعيش فيه ويكتسب منه ، فهو كالصياد من الآدميين . واختلفت الرواية في الجراد ، فعنه : هو من صيد البحر ، لا جزاء فيه . وهو مذهب أبي سعيد . قال ابن المنذر : قال ابن عباس ، وكعب : هو من صيد البحر . وقال عروة : هو نثرة حوت . وروي عن أبي هريرة ، قال : { أصابنا ضرب من جراد ، فكان رجل منا يضرب بسوطه وهو محرم ، فقيل : إن هذا لا يصلح ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : هذا من صيد البحر } . وعنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الجراد من صيد البحر } . رواهما أبو داود .

وروي عن أحمد ، أنه من صيد البر ، وفيه الجزاء . وهو قول الأكثرين ; لما روي أن عمر رضي الله عنه قال لكعب في جرادتين : ما جعلت في نفسك ؟ قال : درهمان . قال : بخ ، درهمان خير من مائة جرادة . رواه الشافعي ، في " مسنده " . ولأنه طير يشاهد طيرانه في البر ، ويهلكه الماء إذا وقع فيه ، فأشبه العصافير . فأما الحديثان اللذان ذكرناهما للرواية الأولى فوهم . قاله أبو داود . فعلى هذا يضمنه بقيمته ; لأنه لا مثل له .

وهذا قول الشافعي . وعن أحمد ، يتصدق بتمرة عن الجرادة . وهذا يروى عن عمر وعبد الله بن عمر . وقال ابن عباس : قبضة من طعام . قال القاضي : هذا محمول على أنه أوجب ذلك على طريق القيمة ، والظاهر أنهم لم يريدوا بذلك التقدير ، وإنما أرادوا أن فيه أقل شيء .

وإن افترش الجراد في طريقه ، فقتله بالمشي عليه ، على وجه لم يمكنه التحرز منه ، ففيه وجهان ; أحدهما ، وجوب جزائه ; لأنه أتلفه لنفع نفسه ، فضمنه ، كالمضطر يقتل صيدا يأكله . والثاني ، لا يضمنه ; لأنه اضطره إلى إتلافه ، أشبه ما لو صال عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية