صفحة جزء
( 2695 ) مسألة ; قال : ( ومن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر ، تحلل بعمرة وذبح ، إن كان معه هدي ، وحج من قابل ، وأتى بدم ) الكلام في هذه المسألة في أربعة فصول ( 2696 ) الفصل الأول ، أن آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر ، فمن [ لم ] يدرك الوقوف حتى طلع الفجر يومئذ فاته الحج . لا نعلم فيه خلافا .

قال جابر : لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع . قال أبو الزبير ، فقلت له : أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ؟ قال : نعم . رواه الأثرم بإسناده . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { الحج عرفة ، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع ، فقد تم حجه } يدل على فواته بخروج ليلة جمع وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من وقف بعرفات بليل ، فقد أدرك الحج ، ومن فاته عرفات بليل ، فقد فاته الحج ، فليحل بعمرة ، وعليه الحج من قابل } . رواه الدارقطني ، وضعفه .

( 2697 ) الفصل الثاني ، أن من فاته الحج يتحلل بطواف وسعي وحلاق . هذا الصحيح من المذهب . وروي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وابنه ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس ، وابن الزبير ، ومروان بن الحكم وهو قول مالك ، والثوري ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

وقال ابن أبي موسى : في المسألة روايتان ; إحداهما ، كما ذكرنا . والثانية ، يمضي في حج فاسد . وهو قول المزني ، قال : يلزمه جميع أفعال الحج ; لأن سقوط ما فات وقته لا يمنع وجوب ما لم يفت .

ولنا ، قول من سمينا من الصحابة ، ولم نعرف لهم مخالفا ; فكان إجماعا . وروى الشافعي ، في " مسنده " ، أن عمر قال لأبي أيوب حين فاته الحج : اصنع ما يصنع المعتمر ، ثم قد حللت ، فإن أدركت الحج قابلا فحج وأهد ما استيسر من الهدي . وروي أيضا عن ابن عمر نحو ذلك .

وروى الأثرم ، بإسناده ، عن سليمان بن يسار ، أن هبار [ ص: 280 ] بن الأسود حج من الشام ، فقدم يوم النحر ، فقال له عمر : ما حبسك ؟ قال : حسبت أن اليوم يوم عرفة ، قال : فانطلق إلى البيت ، فطف به سبعا ، وإن كان معك هدية فانحرها ، ثم إذا كان عام قابل فاحجج ، فإن وجدت سعة فأهد ، فإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إن شاء الله تعالى .

وروى النجاد ، بإسناده عن عطاء ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من فاته الحج فعليه دم ، وليجعلها عمرة ، وليحج من قابل " . ولأنه يجوز فسخ الحج إلى العمرة من غير فوات ، فمع الفوات أولى . إذا ثبت هذا ، فإنه يجعل إحرامه بعمرة .

وهذا ظاهر كلام الخرقي ، ونص عليه أحمد ، واختاره أبو بكر . وهو قول ابن عباس ، وابن الزبير ، وعطاء ، وأصحاب الرأي .

وقال ابن حامد : لا يصير إحرامه بعمرة ، بل يتحلل بطواف وسعي وحلق . وهو مذهب مالك ، والشافعي ; لأن إحرامه انعقد بأحد النسكين ، فلم ينقلب إلى الآخر ، كما لو أحرم بالعمرة ، ويحتمل أن من قال : يجعل إحرامه عمرة . أراد به يفعل ما فعل المعتمر ، وهو الطواف والسعي ، ولا يكون بين القولين خلاف .

ويحتمل أن يصير إحرام الحج إحراما بعمرة ، بحيث يجزئه عن عمرة الإسلام إن لم يكن اعتمر ، ولو أدخل الحج عليها لصار قارنا ، إلا أنه لا يمكنه الحج بذلك الإحرام ، إلا أن يصير محرما به في غير أشهره ، فيصير كمن أحرم بالحج في غير أشهره ، ولأن قلب الحج إلى العمرة يجوز من غير سبب ، على ما قررناه في فسخ الحج ، فمع الحاجة أولى ، ويخرج على هذا قلب العمرة إلى الحج ، فإنه لا يجوز ، ولأن العمرة لا يفوت وقتها ، فلا حاجة إلى انقلاب إحرامها ، بخلاف الحج . ( 2698 )

الفصل الثالث ، أنه يلزمه القضاء من قابل ، سواء كان الفائت واجبا ، أو تطوعا ( من فاته الوقوف بعرفة ) . روي ذلك عن عمر ، وابنه ، وزيد ، وابن عباس ، وابن الزبير ، ومروان ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

وعن أحمد لا قضاء عليه ، بل إن كانت فرضا فعلها بالوجوب السابق ، وإن كانت نفلا سقطت . وروي هذا عن عطاء ، وهو إحدى الروايتين عن مالك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الحج أكثر من مرة ، قال : " بل مرة واحدة " .

ولو أوجبنا القضاء ، كان أكثر من مرة ، ولأنه معذور في ترك إتمام حجه ، فلم يلزمه القضاء كالمحصر ، ولأنها عبادة تطوع ، فلم يجب قضاؤها ، كسائر التطوعات . ووجه الرواية الأولى ما ذكرنا من الحديث ، وإجماع الصحابة ، وروى الدارقطني ، بإسناده ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من فاته عرفات فاته الحج ، فليحل بعمرة ، وعليه الحج من قابل } ولأن الحج يلزم بالشروع فيه ، فيصير كالمنذور ، بخلاف سائر التطوعات .

وأما الحديث ، فإنه أراد الواجب بأصل الشرع حجة واحدة وهذه إنما تجب بإيجابه لها بالشروع فيها ، فهي كالمنذورة ، وأما المحصر فإنه غير منسوب إلى التفريط ، بخلاف من فاته الحج ، وإذا قضى أجزأه القضاء عن الحجة الواجبة ، لا نعلم في هذا خلافا ; لأن الحجة المقضية لو تمت لأجزأت عن الواجبة عليه ، فكذلك قضاؤها ; لأن القضاء يقوم مقام الأداء . ( 2699 )

الفصل الرابع ، أن الهدي يلزم من فاته الحج في أصح الروايتين . وهو قول من سمينا من الصحابة ، والفقهاء ، إلا أصحاب الرأي ، فإنهم قالوا : لا هدي عليه . وهي الرواية الثانية عن أحمد ; لأنه لو كان الفوات سببا لوجوب الهدي ، للزم المحرم هديان ; للفوات والإحصار .

ولنا ، حديث عطاء ، وإجماع الصحابة ، ولأنه [ ص: 281 ] حل من إحرامه قبل إتمامه ، فلزمه هدي ، كالمحرم ، لم يفت حجه ، فإنه يحل قبل فواته . إذا ثبت هذا فإنه يخرج الهدي في سنة القضاء ، إن قلنا بوجوب القضاء ، وإلا أخرجه في عامه . وإذا كان معه هدي قد ساقه نحره ، ولا يجزئه ، إن قلنا بوجوب القضاء ، بل عليه في السنة الثانية هدي أيضا . نص عليه أحمد ، وذلك لحديث عمر الذي ذكرناه .

والهدي ما استيسر ، مثل هدي المتعة ; لحديث عمر . أيضا . والمتمتع ، والمفرد ، والقارن ، والمكي وغيره ، سواء فيما ذكرنا ; لأن الفوات يشمل الجميع .

التالي السابق


الخدمات العلمية