صفحة جزء
[ ص: 284 ] مسألة ; قال : ( ومن ساق هديا واجبا ، فعطب دون محله ، صنع به ما شاء ، وعليه مكانه ) الواجب من الهدي قسمان ; أحدهما ، وجب بالنذر في ذمته . والثاني ، وجب بغيره ، كدم التمتع ، والقران ، والدماء الواجبة بترك واجب ، أو فعل محظور . وجميع ذلك ضربان : أحدهما ، أن يسوقه ينوي به الواجب الذي عليه ، من غير أن يعينه بالقول ، فهذا لا يزول ملكه عنه إلا بذبحه ، ودفعه إلى أهله ، وله التصرف فيه بما شاء من بيع ، وهبة ، وأكل ، وغير ذلك ; لأنه لم يتعلق حق غيره به ، وله نماؤه ، وإن عطب تلف من ماله ، وإن تعيب لم يجزئه ذبحه ، وعليه الهدي الذي كان واجبا ، فإن وجوبه في الذمة ، فلا يبرأ منه إلا بإيصاله إلى مستحقه ، بمنزلة من عليه دين فحمله إلى مستحقه ، يقصد دفعه إليه فتلف قبل أن يوصله إليه . الضرب الثاني ، أن يعين الواجب عليه بالقول ، فيقول : هذا الواجب علي .

فإنه يتعين الوجوب فيه من غير أن تبرأ الذمة منه ; لأنه لو أوجب هديا ولا هدي عليه لتعين ، فإذا كان واجبا فعينه فكذلك ، إلا أنه مضمون عليه ، فإن عطب ، أو سرق ، أو ضل ، أو نحو ذلك ، لم يجزه ، وعاد الوجوب إلى ذمته ، كما لو كان لرجل عليه دين ، فاشترى به منه مكيلا ، فتلف قبل قبضه ، انفسخ البيع ، وعاد الدين إلى ذمته ، ولأن ذمته لم تبرأ من الواجب بتعيينه ، وإنما تعلق الوجوب بمحل آخر ، فصار كالدين يضمنه ضامن ، أو يرهن به رهنا ، فإنه يتعلق الحق بالضامن والرهن مع بقائه في ذمة المدين ، فمتى تعذر استيفاؤه من الضامن ، أو تلف الرهن ، بقي الحق في الذمة بحاله . وهذا كله لا نعلم فيه مخالفا .

وإن ذبحه ، فسرق ، أو عطب ، فلا شيء عليه . قال أحمد : إذا نحر فلم يطعمه حتى سرق ، لا شيء عليه ، فإنه إذا نحر فقد فرغ . وبهذا قال الثوري وابن القاسم صاحب مالك ، وأصحاب الرأي . وقال الشافعي : عليه الإعادة ; لأنه لم يوصل الحق إلى مستحقه ، فأشبه ما لو لم يذبحه .

ولنا ، أنه أدى الواجب عليه ، فبرئ منه ، كما لو فرقه . ودليل أنه أدى الواجب ، أنه لم يبق إلا التفرقة ، وليست واجبة ; بدليل أنه لو خلى بينه وبين الفقراء أجزأه ، ولذلك { لما نحر النبي صلى الله عليه وسلم البدنات ، قال : من شاء اقتطع } . وإذا عطب هذا المعين ، أو تعيب عيبا يمنع الإجزاء ، لم يجزه ذبحه عما في الذمة ; لأن عليه هديا سليما ولم يوجد ، وعليه مكانه ، ويرجع هذا الهدي إلى ملكه ، فيصنع به ما شاء ، من أكل ، أو بيع وهبة ، وصدقة ، وغيره .

هذا ظاهر كلام الخرقي وحكاه ابن المنذر عن أحمد ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي . ونحوه عن عطاء . وقال مالك : يأكل ، ويطعم من أحب من الأغنياء والفقراء ، ولا يبيع منه شيئا .

ولنا ، ما روى سعيد ، حدثنا سفيان عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : إذا أهديت هديا تطوعا ، فعطب ، فانحره ، ثم اغمس النعل في دمه ، ثم اضرب بها صفحته ، فإن أكلت أو أمرت به عرفت ، وإذا أهديت هديا واجبا فعطب فانحره ، ثم كله إن شئت ، وأهده إن شئت ، وبعه إن شئت ، وتقو به في هدي آخر . ولأنه متى كان له أن يأكل ويطعم الأغنياء ، فله أن يبيع ; لأنه ملكه .

وروي عن أحمد ، أنه يذبح المعيب وما في ذمته جميعا ، ولا يرجع المعين إلى ملكه ; لأنه تعلق بحق الفقراء بتعيينه ، فلزم ذبحه ، كما لو عينه بنذره ابتداء .

التالي السابق


الخدمات العلمية