صفحة جزء
( 2729 ) فصل : وإذا نذر هديا وأطلق ، فأقل ما يجزئه شاة ، أو سبع بدنة أو بقرة ; لأن المطلق في النذر يجب حمله على المعهود شرعا ، والهدي الواجب في الشرع إنما هو من النعم ، وأقله ما ذكرناه ، فحمل عليه ، ولهذا لما قال الله تعالى في المتعة : { فما استيسر من الهدي } . حمل على ما قلنا . فإن اختار إخراج بدنة كاملة ، فهو أفضل ، وهل تكون كلها واجبة ؟ على وجهين ; أحدهما تكون واجبة . اختاره ابن عقيل ; لأنه اختار الأعلى لأداء فرضه ، فكان كله واجبا ، كما لو اختار الأعلى من خصال كفارة اليمين أو كفارة الوطء في الحيض .

والثاني ، يكون سبعها واجبا ، والباقي تطوعا ، له أكله وهديته ; لأن الزائد على السبع يجوز تركه من غير شرط ولا بدل ، فأشبه ما لو ذبح شاتين . فإن عين الهدي بشيء ، لزمه ما عينه ، وأجزأه ، سواء كان من بهيمة الأنعام أو من غيرها ، وسواء كان حيوانا أو غيره ، مما ينقل أو مما لا ينقل ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من راح يعني إلى الجمعة في الساعة الرابعة ، فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة ، فكأنما قرب بيضة } . فذكر الدجاجة والبيضة في الهدي . وعليه إيصاله إلى فقراء الحرم ; لأنه سماه هديا ، وأطلق ، فيحمل على محل الهدي المشروع ، وقد قال الله تعالى : { ثم محلها إلى البيت العتيق } . فإن كان مما لا ينقل ، كالعقار ، باعه ، وبعث ثمنه إلى الحرم ، فيتصدق به فيه .

( 2730 ) فصل : وإن نذر هديا مطلقا أو معينا ، وأطلق مكانه ، وجب عليه إيصاله إلى مساكين الحرم . وجوز أبو حنيفة ذبحه حيث شاء ، كما لو نذر الصدقة بشاة .

ولنا ، قوله تعالى : { ثم محلها إلى البيت العتيق } . ولأن النذر يحمل على المعهود شرعا ، والمعهود في الهدي الواجب بالشرع ، كهدي المتعة والقران وأشباههما ، أن ذبحها يكون في الحرم ، كذا هاهنا .

وإن عين نذره بموضع غير الحرم ، لزمه ذبحه به ، وتفرقة لحمه على مساكين الحرم وإطلاقه لما روي { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أنحر ببوانة . قال : أبها صنم ؟ قال : لا . قال : أوف بنذرك } . رواه أبو داود . وإن نذر الذبح بموضع به صنم ، أو شيء من أمر الكفر أو المعاصي ، كبيوت النار ، أو الكنائس والبيع ، وأشباه ذلك ، لم يصح نذره ، بمفهوم هذا الحديث ، ولأنه نذر معصية ، فلا يوفى به ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا نذر في معصية الله تعالى ، ولا فيما لا يملك ابن آدم } .

وقوله : { من نذر أن يعصي الله فلا يعصه } . ( 2731 ) فصل : وقول الخرقي : " إن قدر على إيصاله إليهم " . يدل على أن العاجز عن إيصاله لا يلزمه إيصاله ، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها . فإن منع الناذر الوصول بنفسه ، وأمكنه تنفيذه ، لزمه . قال ابن عقيل [ ص: 293 ] إذا حصر عن الخروج خرج في ذبح هذا الهدي المنذور في موضع حصره روايتان ، كدماء الحج واختار أن الصحيح جواز ذبحه في موضع حصره ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه بالحديبية . والثانية ، إن أمكن إرساله مع غيره ، فلا يجوز له ذبحه في موضعه ; لأنه أمكنه إيصال المنذور إلى محله ، فلزمه ، كغير المحصور .

التالي السابق


الخدمات العلمية