صفحة جزء
( 2794 ) فصل : والعقود على أربعة أضرب : أحدها ، عقد لازم ، يقصد منه العوض ، وهو البيع وما في معناه ، وهو نوعان ; أحدهما ، يثبت فيه الخياران : خيار المجلس ، وخيار الشرط ، وهو البيع فيما لا يشترط فيه القبض في المجلس ، والصلح بمعنى البيع ، والهبة بعوض على إحدى الروايتين ، والإجارة في الذمة ، نحو أن يقول [ ص: 24 ] أستأجرتك لتخيط لي هذا الثوب ونحوه ، فهذا يثبت فيه الخيار ، لأن الخيار ورد في البيع ، وهذا في معناه . فأما الإجارة المعينة ، فإن كانت مدتها من حين العقد ، دخلها خيار المجلس دون خيار الشرط ; لأن دخوله يفضي إلى فوت بعض المنافع المعقود عليها ، أو إلى استيفائها في مدة الخيار ، وكلاهما لا يجوز .

وهذا مذهب الشافعي . وذكره القاضي مرة مثل هذا ، ومرة قال : يثبت فيها الخياران قياسا على البيع . وقد ذكرنا ما يقتضي الفرق بينهما .

وأما الشفعة ، فلا خيار فيها ; لأن المشتري يؤخذ منه المبيع قهرا ، والشفيع يستقل بانتزاع المبيع من غير رضا صاحبه ، فأشبه فسخ البيع بالرد بالعيب ، ونحوه . ويحتمل أن يثبت للشفيع خيار المجلس ; لأنه قبل المبيع بثمنه ، فأشبه المشتري . النوع الثاني ، ما يشترط فيه القبض في المجلس ، كالصرف ، والسلم ، وبيع مال الربا بجنسه ، فلا يدخله خيار الشرط ، رواية واحدة ; لأن موضوعها على أن لا يبقى بينها علقة بعد التفرق ، بدليل اشتراط القبض ، وثبوت الخيار يبقي بينهما علقة ، ويثبت فيها خيار المجلس في الصحيح من المذهب ; لعموم الخبر ، ولأن موضوعه للنظر في الحظ في المعاوضة ، وهو موجود فيها .

وعنه لا يثبت فيها الخيار إلحاقا بخيار الشرط . الضرب الثاني ، لازم ، لا يقصد به العوض ، كالنكاح والخلع . فلا يثبت فيهما خيار ; لأن الخيار إنما يثبت لمعرفة الحظ في كون العوض جائزا ، لما يذهب من ماله . والعوض هاهنا ليس هو المقصود ، وكذلك الوقف والهبة ، ولأن في ثبوت الخيار في النكاح ضررا ذكرناه قبل هذا .

الضرب الثالث ، لازم من أحد طرفيه دون الآخر ، كالرهن ، لازم في حق الراهن ، جائز في حق المرتهن ، فلا يثبت فيه خيار ; لأن المرتهن يستغني بالجواز في حقه عن ثبوت خيار آخر ، والراهن يستغني بثبوت الخيار له إلى أن يقبض ، وكذلك الضامن والكفيل ، لا خيار لهما ; لأنهما دخلا متطوعين راضيين بالغبن ، وكذلك المكاتب . الضرب الرابع ، عقد جائز من الطرفين ، كالشركة ، والمضاربة ، والجعالة ، والوكالة ، الوديعة ، والوصية ، فهذه لا يثبت فيها خيار ، استغناء بجوازها ، والتمكن من فسخها بأصل وضعها . الضرب الخامس ، وهو متردد بين الجواز واللزوم ، كالمساقاة ، والمزارعة ، والظاهر أنهما جائزان ، فلا يدخلهما خيار .

وقد قيل : هما لازمان ، ففي ثبوت الخيار فيهما وجهان ، والسبق والرمي ، والظاهر أنهما جعالة ، فلا يثبت فيهما خيار . وقيل : هما إجارة ، وقد مضى ذكرها . الضرب السادس ، لازم يستقل به أحد المتعاقدين ، كالحوالة ، والأخذ بالشفعة ، فلا خيار فيهما ; لأن من لا يعتبر رضاه لا خيار له . وإذا لم يثبت في أحد طرفيه لم يثبت في الآخر ، كسائر العقود . ويحتمل أن يثبت الخيار للمحيل والشفيع ; لأنها معاوضة يقصد فيها العوض ، فأشبهت سائر البيع .

التالي السابق


الخدمات العلمية