صفحة جزء
( 2849 ) مسألة ; قال : ( وإذا تبايعا ذلك بغير عينه ، فوجد أحدهما فيما اشتراه عيبا ، فله البدل ، إذا كان العيب ليس بدخيل عليه من غير جنسه ، كالوضوح في الذهب والسواد في الفضة ) يعني اصطرفا في الذمة ، نحو أن يقول : بعتك دينارا مصريا بعشرة دراهم . فيقول الآخر : قبلت . فيصح البيع ، سواء كانت الدراهم والدنانير عندهما ، أو لم يكونا ، إذا تقابضا قبل الافتراق ، بأن يستقرضا أو غير ذلك . وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي . وحكي عن مالك ، لا يجوز الصرف ، إلا أن تكون العينان حاضرتين .

وعنه ، لا يجوز حتى تظهر إحدى العينين وتعين . وعن زفر مثله ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تبيعوا غائبا منها بناجز } . ولأنه إذا لم يعين أحد العوضين ، كان بيع دين بدين ، وهو غير جائز ولنا ، أنهما تقابضا في المجلس ، فصح كما لو كانا حاضرين . والحديث يراد به أن لا يباع عاجل بآجل ، أو مقبوض بغير مقبوض ; بدليل ما لو عين أحدهما فإنه يصح ، وإن كان الآخر غائبا ، والقبض في المجلس يجري مجرى القبض حالة العقد ، ألا ترى إلى قوله : { عينا بعين } . { يدا بيد } . والقبض يجري في المجلس ، كذا التعين .

فإذا ثبت هذا ، فلا بد من تعيينهما بالتقابض في المجلس ، ومتى تقابضا ، فوجد أحدهما بما قبضه عيبا قبل التفرق ، فله المطالبة بالبدل ، سواء كان العيب من جنسه ، أو من غير جنسه ; لأن العقد وقع على مطلق ، لا عيب فيه ، فله المطالبة بما وقع عليه العقد ، كالمسلم فيه . وإن رضيه بعيبه ، والعيب من جنسه جاز ، كما لو رضي بالمسلم فيه معيبا ، وإن اختار أخذ الأرش ، فإن كان العوضان من جنس واحد ، لم يجز ; لإفضائه إلى التفاضل فيما يشترط فيه التماثل ، وإن كانا من جنسين جاز .

فأما إن تقابضا وافترقا ، ثم وجد العيب من جنسه ، فله إبداله في إحدى الروايتين . اختارها الخلال ، والخرقي . وروي ذلك عن الحسن ، وقتادة . وبه قال أبو يوسف ومحمد ، وهو أحد قولي الشافعي ; لأن ما جاز إبداله قبل التفرق ، جاز بعده ، كالمسلم فيه . والرواية الثانية ، ليس له ذلك وهو قول أبي بكر ، ومذهب أبي حنيفة ، والقول الثاني للشافعي ; لأنه يقبضه بعد التفرق ، ولا يجوز ذلك في الصرف ، ومن صار إلى الرواية الأولى قال : قبض الأول صح به العقد ، وقبض الثاني يدل على الأول . ويشترط أن يأخذ البدل في مجلس الرد ، فإن تفرقا من غير قبض بطل العقد ، وإن وجد البعض رديئا فرده ، فعلى الرواية الأولى له البدل ، وعلى الثانية يبطل في المردود . وهل يصح فيما لم يرد ؟ على وجهين ، بناء على تفريق الصفقة ، ولا فرق بين كون المبيع من جنس أو من جنسين .

وقال مالك : إن وجد درهما زيفا فرضي به ، جاز ، وإن رده ، انتقض الصرف في دينار ، وإن رد أحد عشر درهما ، انتقض [ ص: 51 ] الصرف في دينارين ، وكلما زاد على دينار ، انتقض الصرف في دينار آخر . ولنا أن ما لا عيب فيه لم يرد ، فلم ينتقض الصرف فيما يقابله ، كسائر العوض . وإن اختار واجد العيب الفسخ ، فعلى قولنا له البدل ، ليس له الفسخ إذا أبدل له ; لأنه يمكنه أخذ حقه غير معيب ، وعلى الرواية الأخرى ، له الفسخ ، أو الإمساك في الجميع ; لأنه تعذر عليه الوصول إلى ما عقد عليه مع إبقاء العقد .

فإن اختار أخذ أرش العيب بعد التفرق ، لم يكن له ذلك ; لأنه عوض يقبضه بعد التفرق عن الصرف ، إلا على الرواية الأخرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية