صفحة جزء
( 2865 ) مسألة ; قال ( والعرايا التي أرخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ; هو أن يوهب للإنسان من النخل ما ليس فيه خمسة أوسق ، فيبيعها بخرصها من التمر لمن يأكلها رطبا ) في هذه المسألة فصول خمسة : ( 2866 ) فصل أولها ، في إباحة بيع العرايا في الجملة . وهو قول أكثر أهل العلم . منهم مالك ، وأهل المدينة ، والأوزاعي ، وأهل الشام ، والشافعي ، وإسحاق ، وابن المنذر .

وقال أبو حنيفة : لا يحل بيعها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع المزابنة ، والمزابنة ، بيع الثمر بالثمر } . متفق عليه . ولأنه يبيع الرطب بالتمر من غير كيل في أحدهما ، فلم يحز ، كما لو كان على وجه الأرض ، أو فيما زاد على خمسة أوسق .

ولنا ، ما روى أبو هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم { رخص في العرايا في خمسة أوسق ، أو دون خمسة أوسق } . متفق عليه ، ورواه زيد بن ثابت ، وسهل بن أبي حثمة ، وغيرهما . [ ص: 58 ] وخرجه أئمة الحديث في كتبهم . وحديثهم في سياقه : { إلا العرايا } كذلك في المتفق عليه . وهذه زيادة يجب الأخذ بها . ولو قدر تعارض الحديثين ، وجب تقديم حديثنا لخصوصه ، جمعا بين الحديثين ، وعملا بكلا النصين .

وقال ابن المنذر : الذي نهى عن المزابنة هو الذي أرخص في العرايا ، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى . والقياس لا يصار إليه مع النص مع أن في الحديث ، أنه أرخص في العرايا . والرخصة استباحة المحظور ، مع وجود السبب الحاظر ، فلو منع وجود السبب من الاستباحة ، لم يبق لنا رخصة بحال . ( 2867 )

الفصل الثاني ، أنها لا تجوز في زيادة على خمسة أوسق ، بغير خلاف نعلمه ، وتجوز فيما دون خمسة أوسق ، بغير خلاف بين القائلين بجوازها . فأما في خمسة أوسق ، فلا يجوز عند إمامنا رحمه الله . وبه قال ابن المنذر ، والشافعي في أحد قوليه . وقال مالك ، والشافعي في قول : يجوز . ورواه إسماعيل بن سعيد عن أحمد ; لأن في حديث زيد وسهل أنه رخص في العرية ، مطلقا ، ثم استثنى ما زاد على الخمسة في حديث أبي هريرة ، وشك في الخمسة فاستثنى اليقين ، وبقي المشكوك فيه على مقتضى الإباحة .

ولنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن المزابنة . } والمزابنة : بيع الرطب بالتمر ، ثم أرخص في العرية فيما دون خمسة أوسق ، وشك في الخمسة ، فيبقى على العموم في التحريم . ولأن العرية رخصة بنيت على خلاف النص والقياس يقينا فيما دون الخمسة ، والخمسة مشكوك فيها ، فلا تثبت إباحتها مع الشك وروى ابن المنذر ، بإسناده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم { رخص في بيع العرية في الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة . } والتخصيص بهذا يدل على أنه لا تجوز الزيادة في العدد عليه ، كما اتفقنا على أنه لا تجوز الزيادة على الخمسة ; لتخصيصه إياها بالذكر .

وروى مسلم عن سهل ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرية ; النخلة والنخلتين . } ولأن خمسة الأوسق في حكم ما زاد عليها ; بدليل وجوب الزكاة فيها دون ما نقص عنها ، ولأنها قدر تجب الزكاة فيه ، فلم يجز بيعه عرية ، كالزائد عليها . فأما قولهم : أرخص في العرية مطلقا ، فلم يثبت أن الرخصة المطلقة سابقة على الرخصة المقيدة ، ولا متأخرة عنها ، بل الرخصة واحدة ، رواها بعضهم مطلقة وبعضهم مقيدة ، فيجب حمل المطلق على المقيد ، ويصير القيد المذكور في أحد الحديثين كأنه مذكور في الآخر ، ولذلك يقيد فيما زاد على الخمسة ، اتفاقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية