صفحة جزء
( 3006 ) فصل : وكل مبيع كان معيبا ، ثم حدث به عند المشتري عيب آخر ، قبل علمه بالأول ، فعن أحمد رحمه الله فيه روايتان ; إحداهما ، ليس له الرد ، وله أرش العيب القديم . وبه قال الثوري ، وابن شبرمة ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . وروي ذلك عن ابن سيرين ، والزهري ، والشعبي ; لأن الرد ثبت لإزالة الضرر ، وفي الرد على البائع إضرار به ، ولا يزال الضرر بالضرر . والثانية ، له الرد ، يرد أرش العيب الحادث عنده ، ويأخذ الثمن . وإن شاء أمسكه ، وله الأرش . وبهذا قال مالك وإسحاق .

وقال النخعي ، وحماد بن أبي سليمان : يرده ونقصان العيب . وقال الحكم : يرده . ولم يذكر معه شيئا . ولنا ، حديث المصراة ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بردها بعد حلبها ، ورد عوض لبنها . واحتج أحمد بأن عثمان بن عفان رضي الله عنه قضى في الثوب ، إذا كان به عوار ، برده وإن كان قد لبسه . ولأنه عيب حدث عند المشتري ، فكان له الخيار بين رد المبيع وأرشه ، وبين أخذ أرش العيب القديم ، كما لو كان حدوثه لاستعلام المبيع .

ولأن العيبين قد استويا ، والبائع قد دلس به ، والمشتري لم يدلس ، فكان رعاية جانبه أولى . ولأن الرد كان جائزا قبل حدوث العيب الثاني ، فلا يزول إلا بدليل ، وليس في المسألة إجماع ولا نص ، والقياس إنما يكون على أصل ، وليس لما ذكروه أصل ، فيبقى الجواز بحاله . إذا ثبت هذا ، فإنه يرد أرش العيب الحادث عنده ; لأن المبيع بجملته مضمون عليه ، فكذلك أجزاؤه . وإن زال العيب الحادث عند المشتري ، رده ولا أرش معه ، على كلتا الروايتين . وبه قال الشافعي ; لأنه زال المانع ، مع قيام السبب المقتضي للرد ، فثبت حكمه .

ولو اشترى أمة ، فحملت عنده ، [ ص: 112 ] ثم أصاب بها عيبا ، فالحمل عيب في الآدميات دون غيرهن ; لأنه يمنع الوطء ويخاف منه التلف . فإن ولدت ، فالولد للمشتري . وإن نقصتها الولادة ، فذلك عيب أيضا . وإن لم تنقصها الولادة ومات الولد ، جاز ردها ; لأنه زال العيب ، وإن كان ولدها باقيا ، لم يكن له ردها دون ولدها ; لأن ذلك تفريق بينهما ، وهو محرم . وقال الشريف أبو جعفر ، وأبو الخطاب في " مسائلهما " : له الفسخ فيها ، دون ولدها . وهو قول أكثر أصحاب الشافعي . ولأنه موضع حاجة ، فأشبه ما لو ولدت حرا ، فإنه يجوز بيعها دون ولدها .

ولنا ، عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم { : من فرق بين والدة وولدها ، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة } . ولأنه أمكن دفع الضرر بأخذ الأرش ، أو برد ولدها معها ، فلم يجز ارتكاب منهي الشرع بالتفريق بينهما ، كما لو أراد الإقالة فيها دون ولدها . وقولهم : إن الحاجة داعية إليه . قلنا : قد اندفعت الحاجة بأخذ الأرش ، أما إذا ولدت حرا ، فلا سبيل إلى بيعه معها بحال . ولو كان المبيع حيوانا غير الآدمي ، فحدث به حمل عند المشتري ، لم يمنع الرد بالعيب ; لأنه زيادة .

وإن علم بالعيب بعد الوضع ، ولم تنقصه الولادة ، فله إمساك الولد ورد الأم ; لأن التفريق بينهما جائز . ولا فرق بين حملها قبل القبض ، أو بعده . ولو اشتراها حاملا ، فولدت عنده ، ثم اطلع على العيب فردها ، رد الولد معها ; لأنه من جملة المبيع ، والزيادة فيه نماء متصل بالمبيع ، فأشبه ما لو سمنت الشاة . فإن تلف الولد ، فهو كتعيب المبيع عنده . فإن قلنا : له الرد . فعليه قيمته ، إن اختار رد الأم ، وعند أحمد ; أنه لا قيمة عليه للولد . وحمله القاضي على أن البائع دلس العيب . وإن نقصت الأم بالولادة ، فهو عيب حادث ، حكمه حكم العيوب الحادثة .

ويمكن حمل كلام أحمد على أن الحمل لا حكم له . وهذا أحد القولين للشافعي . فعلى هذا يكون الولد حينئذ للمشتري ، فلا يلزمه رده إن كان باقيا ، ولا قيمته إن كان تالفا . والأول هو الصحيح ، وعليه العمل ، إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية