صفحة جزء
( 3032 ) مسألة ; قال : ( وإذا اشترى شيئا ، مأكوله في جوفه ، فكسره ، فوجده فاسدا ، فإن لم يكن لمكسوره قيمة ، كبيض الدجاج ، رجع بالثمن على البائع ، وإن كان لمكسوره قيمة ، كجوز الهند ، فهو مخير في الرد وأخذ الثمن ، وعليه أرش الكسر ، أو يأخذ ما بين صحيحه ومعيبه ) وجملة ذلك ، أنه إذا اشترى ما لا يطلع على عيبه إلا بكسره ، كالبطيخ ، والرمان ، والجوز ، والبيض ، فكسره فبان عيبه ، ففيه روايتان ; إحداهما ، لا يرجع على البائع بشيء ، وهو مذهب مالك ; لأنه ليس من البائع تدليس ، ولا تفريط ; لعدم معرفته بعيبه ، وكونه لا يمكنه الوقوف عليه إلا بكسره ، فجرى مجرى البراءة من العيوب .

والثانية ، يرجع عليه . وهي ظاهر المذهب ، وقول أبي حنيفة والشافعي ; لأن عقد البيع اقتضى السلامة من عيب لم يطلع عليه المشتري ، فإذا بان معيبا ، ثبت له الخيار ، ولأن البائع إنما يستحق ثمن المعيب ، دون الصحيح ; لأنه لم يملكه صحيحا ، فلا معنى لإيجاب الثمن كله ، وكونه لم يفرط لا يقتضي أن يجب له ثمن ما لم يسلمه ; بدليل العيب الذي لم يعلمه في العبد . إذا ثبت هذا ، فإن المبيع إن كان مما لا قيمة له مكسورا ، كبيض الدجاج الفاسد ، والرمان الأسود ، والجوز الخرب ، والبطيخ التالف ، رجع بالثمن كله ; لأن هذا تبين به فساد العقد من أصله ; لكونه وقع على ما لا نفع فيه ، ولا يصح بيع ما لا نفع فيه ، كالحشرات والميتات ، وليس عليه أن يرد المبيع إلى البائع ; لأنه لا فائدة فيه .

الثاني ، أن يكون مما لمعيبه قيمة ، كجوز الهند ، وبيض النعام ، والبطيخ الذي فيه نفع ، ونحوه ، [ ص: 123 ] فإذا كسره نظرت ، فإن كان كسرا لا يمكن استعلام المبيع بدونه ، فالمشتري مخير بين رده ورد أرش الكسر وأخذ الثمن ، وبين أخذ أرش عيبه ، وهو قسط ما بين صحيحه ومعيبه ، وهذا ظاهر كلام الخرقي . وقال القاضي : عندي لا أرش عليه لكسره ; لأن ذلك حصل بطريق استعلام العيب ، والبائع سلطه عليه ، حيث علم أنه لا تعلم له صحته من فساده بغير ذلك . وهذا قول الشافعي .

ووجه قول الخرقي . أنه نقص لم يمنع الرد ، فلزم رد أرشه ، كلبن المصراة إذا حلبها ، والبكر إذا وطئها ، وبهذين الأصلين يبطل ما ذكره ، فإنه لاستعلام العيب ، والبائع سلطه عليه ، بل هاهنا أولى ; لأنه تدليس من البائع ، والتصرية حصلت بتدليسه ، وإن كان كسرا يمكن استعلام المبيع بدونه ، إلا أنه لا يتلف المبيع بالكلية ، فالحكم فيه كالذي قبله في قول الخرقي وهو قول القاضي أيضا . والمشتري مخير بين رده وأرش الكسر وأخذ الثمن ، بين أخذ أرش العيب . وهو إحدى الروايتين عن أحمد .

والرواية الثانية ، ليس له رده ، وله أرش العيب . وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم . وإن كسره كسرا لا يبقي له قيمة ، فله أرش العيب ، لا غير ; لأنه أتلفه ، وقدر أرش العيب قسط ما بين الصحيح والمعيب من الثمن ، فيقوم المبيع صحيحا ، ثم يقوم معيبا غير مكسور ، فيكون للمشتري قدر ما بينهما من الثمن . على ما مضى شرحه .

التالي السابق


الخدمات العلمية