صفحة جزء
( 3076 ) فصل : وإن اختلفا في التسليم ، فقال البائع : لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن . وقال المشتري : لا أسلم الثمن حتى أقبض المبيع . والثمن في الذمة ، أجبر البائع على تسليم المبيع ، ثم أجبر المشتري على تسليم الثمن . فإن كان عينا ، أو عرضا بعرض ، جعل بينهما عدل ، فيقبض منهما ، ثم يسلم إليهما . وهذا قول الثوري وأحد قولي الشافعي .

وعن أحمد ما يدل على أن البائع يجبر على تسليم المبيع على الإطلاق . وهو قول ثان للشافعي وقال أبو حنيفة ومالك يجبر المشتري على تسليم الثمن لأن للبائع حبس المبيع على تسليم الثمن ، ومن استحق ذلك لم يكن عليه التسليم قبل الاستيفاء ، كالمرتهن . ولنا ، أن تسليم المبيع يتعلق به استقرار البيع وتمامه ، فكان تقديمه أولى ، سيما مع تعلق الحكم بعينه ، وتعلق حق البائع بالذمة ، وتقديم ما تعلق بالعين أولى ; لتأكده ، ولذلك يقدم الدين الذي به الرهن في ثمنه على ما تعلق بالذمة ، ويخالف الرهن ; فإنه لا تتعلق به مصلحة عقد الرهن ، والتسليم هاهنا يتعلق به مصلحة عقد البيع .

وأما إذا كان الثمن عينا ، فقد تعلق الحق بعينه أيضا ، كالمبيع ، فاستويا ، وقد وجب لكل واحد منهما على صاحبه حق ، قد استحق قبضه ، فأجبر كل واحد منهما على إيفاء صاحبه حقه . ووجه الرواية الأخرى ; أن الذي يتعلق به استقرار البيع وتمامه هو المبيع ، فوجب تقديمه . ولأن الثمن لا يتعين بالتعيين ، فأشبه غير المعين .

إذا ثبت هذا ، وأوجبنا التسليم على البائع ، فسلمه ، فلا يخلو [ ص: 141 ] المشتري من أن يكون موسرا ، أو معسرا ، فإن كان موسرا والثمن معه ، أجبر على تسليمه ، وإن كان غائبا قريبا في بيته أو بلده ، حجر عليه في المبيع وسائر ماله ، حتى يسلم الثمن ، خوفا من أن يتصرف في ماله تصرفا يضر بالبائع ، وإن كان غائبا عن البلد في مسافة القصر ، فالبائع مخير بين أن يصبر إلى أن يوجد ، وبين فسخ العقد ; لأنه قد تعذر عليه الثمن ، فهو كالمفلس ، وإن كان دون مسافة القصر ، فله الخيار في أحد الوجهين ; لأن فيه ضررا عليه . والثاني ، لا خيار له ; لأن ما دون مسافة القصر بمنزلة الحاضر .

وإن كان المشتري معسرا ، فللبائع الفسخ في الحال ، والرجوع في المبيع . وهذا كله مذهب الشافعي ويقوى عندي أنه لا يجب عليه تسليم المبيع ، حتى يحضر الثمن ، ويتمكن المشتري من تسليمه ; لأن البائع إنما رضي ببذل المبيع بالثمن ، فلا يلزمه دفعه قبل حصول عوضه ، ولأن المتعاقدين سواء في المعاوضة ، فيستويان في التسليم ، وإنما يؤثر ما ذكر من الترجيح في تقديم التسليم مع حضور العوض الآخر ; لعدم الضرر فيه ، وأما مع الخطر المحوج إلى الحجر ، أو المحجوز للفسخ ، فلا ينبغي أن يثبت . ولأن شرع الحجر لا يندفع به الضرر . ولأنه يقف على الحاكم ، ويتعذر ذلك في الغالب .

ولأن ما أثبت الحجر والفسخ بعد التسليم ، فهو أولى أن يمنع التسليم ; لأن المنع أسهل من الرفع ، والمنع قبل التسليم أسهل من المنع بعده ، ولذلك ملكت المرأة منع نفسها قبل قبض صداقها ، قبل تسليم نفسها ، ولم تملكه بعد التسليم . ولأن للبائع منع المبيع قبل قبض ثمنه ، أو كونه بمنزلة المقبوض ; لإمكان تقبيضه ، وإلا فلا ، وكل موضع قلنا : له الفسخ . فله ذلك بغير حكم حاكم ; لأنه فسخ للبيع للإعسار بثمنه ، فملكه البائع ، كالفسخ في عين ماله إذا أفلس المشتري . وكل موضع قلنا : يحجر عليه . فذلك إلى الحاكم ; لأن ولاية الحجر إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية