صفحة جزء
( 3104 ) مسألة ; قال : ( فإن باع حاضر لباد ، فالبيع باطل ) وهو أن يخرج الحضري إلى البادي ، وقد جلب السلعة ، فيعرفه السعر ، ويقول : أنا أبيع لك . فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : { دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض } والبادي هاهنا ، من يدخل البلدة من غير أهلها ، سواء كان بدويا ، أو من قرية ، أو بلدة أخرى نهى النبي صلى الله عليه وسلم الحاضر أن يبيع له ، قال ابن عباس { نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تتلقى الركبان ، وأن يبيع حاضر لباد ، قال فقلت لابن عباس ما قوله حاضر لباد ؟ قال : لا يكون له سمسارا } متفق عليه ، وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يبع حاضر لباد ، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض } رواه مسلم وابن عمر وأبو هريرة ، وأنس والمعنى في ذلك ، أنه متى ترك البدوي يبيع سلعته ، اشتراها الناس برخص ، ويوسع عليهم السعر ، فإذا تولى الحاضر بيعها ، وامتنع من بيعها ، إلا بسعر البلد . ضاق على أهل البلد .

وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في تعليله إلى هذا المعنى . وممن كره بيع الحاضر للبادي طلحة بن عبيد الله ، وابن عمر وأبو هريرة وأنس وعمر بن عبد العزيز ومالك والليث والشافعي ونقل أبو إسحاق بن شاقلا في جملة سماعاته ، أن الحسن بن علي المصري سأل أحمد عن بيع حاضر لباد ، فقال : لا بأس به . فقال له : فالخبر الذي جاء بالنهي . قال : كان ذلك مرة . فظاهر هذا صحة البيع ، وأن النهي اختص بأول الإسلام ; لما كان عليهم من الضيق في ذلك .

وهذا قول مجاهد وأبي حنيفة ، وأصحابه . والمذهب الأول لعموم النهي ، وما يثبت في حقهم يثبت في حقنا ، ما لم يقم على اختصاصهم به دليل . وظاهر كلام الخرقي أنه يحرم بثلاثة شروط ; [ ص: 151 ] أحدها ، أن يكون الحاضر قصد البادي ; ليتولى البيع له . والثاني ، أن يكون البادي جاهلا بالسعر ; لقوله : " فيعرفه السعر " ، ولا يكون التعريف ، إلا لجاهل ، وقد قال أحمد ، في رواية أبي طالب : إذا كان البادي عارفا بالسعر ، لم يحرم . والثالث ، أن يكون قد جلب السلع للبيع ; لقوله : " وقد جلب السلع " . والجالب هو الذي يأتي بالسلع ليبيعها .

وذكر القاضي شرطين آخرين ; أحدهما ، أن يكون مريدا لبيعها بسعر يومها . والثاني ، أن يكون بالناس حاجة إلى متاعه ، وضيق في تأخير بيعه . وقال أصحاب الشافعي إنما يحرم بشروط أربعة ; وهي ما ذكرنا إلا حاجة الناس إلى متاعه ، فمتى اختل منها شرط ، لم يحرم البيع ، وإن اجتمعت هذه الشروط ، فالبيع حرام ، وقد صرح الخرقي ببطلانه . ونص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد قال : سألت أحمد عن الرجل الحضري يبيع للبدوي ؟ فقال : أكره ذلك ، وأرد البيع في ذلك .

وعن أحمد رواية أخرى ، أن البيع صحيح . وهو مذهب الشافعي ; لكون النهي لمعنى في غير المنهي عنه . ولنا أنه منهي عنه ، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية