صفحة جزء
( 3164 ) مسألة ; قال : ( وبيع الفهد ، والصقر المعلم ، جائز ، وكذلك بيع الهر ، وكل ما فيه المنفعة ) وجملة ذلك ، أن كل مملوك أبيح الانتفاع به ، يجوز بيعه ، إلا ما استثناه الشرع ، من الكلب وأم الولد ، والوقف . وفي المدبر ، والمكاتب ، والزيت النجس اختلاف ، نذكره في موضعه ، إن شاء الله تعالى ; لأن الملك سبب لإطلاق التصرف ، والمنفعة المباحة يباح له استيفاؤها ، فجاز له أخذ عوضها ، وأبيح لغيره بذل ماله فيها ، توصلا إليها ، ودفعا لحاجته بها ، كسائر ما أبيح بيعه ، وسواء في هذا ما كان طاهرا ، كالثياب ، والعقار ، وبهيمة الأنعام ، والخيل ، والصيود ، أو مختلفا في نجاسته ، كالبغل ، والحمار ، وسباع البهائم ، وجوارح الطير ، التي تصلح للصيد ، التي كالفهد ، والصقر ، والبازي ، والشاهين ، والعقاب ، والطير المقصود صوته ، كالهزاز ، والبلبل ، والببغاء ، وأشباه ذلك ، فكله يجوز بيعه .

وبهذا قال الشافعي . وقال أبو بكر عبد العزيز ، وابن أبي موسى : لا يجوز بيع الفهد ، والصقر ، ونحوهما ; لأنها نجسة ، فلم يجز بيعها ، كالكلب . ولنا ، أنه حيوان أبيح اقتناؤه ، وفيه نفع مباح ، من غير وعيد في حبسه ، فأبيح بيعه كالبغل ، وما ذكراه يبطل بالبغل ، والحمار ، فإنه لا خلاف في إباحة بيعهما ، وحكمها حكم سباع البهائم في الطهارة ، والنجاسة [ ص: 175 ] وإباحة الاقتناء ، والانتفاع .

وأما الكلب فإن الشرع توعد على اقتنائه وحرمه ، إلا في حال الحاجة ، فصارت إباحته ثابتة ، بطريق الضرورة ، بخلاف غيره ، ولأن الأصل الإباحة ; بدليل قوله تعالى : { وأحل الله البيع } . ولما ذكرنا من المعنى خرج منه ما استثناه الشرع ; لمعان غير موجودة في هذا ، فبقي على أصل الإباحة . وأما الهر ، فقال الخرقي : يجوز بيعها .

وبه قال ابن عباس ، والحسن ، وابن سيرين ، والحكم ، وحماد ، والثوري ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي .

وعن أحمد أنه كره ثمنها . وروي ذلك عن أبي هريرة ، وطاوس ، ومجاهد ، وجابر بن زيد . واختاره أبو بكر ; لما روى مسلم عن جابر ، أنه { سئل عن ثمن السنور ، فقال : زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك } . وفي لفظ رواه أبو داود عن جابر { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن السنور . } قال الترمذي : هذا حديث حسن ، وفي إسناده اضطراب .

ولنا ، ما ذكرنا فيما يصاد به من السباع ، ويحمل الحديث على غير المملوك منها ، أو ما لا نفع فيه منها ; بدليل ما ذكرنا ، ولأن البيع شرع طريقا للتوصل إلى قضاء الحاجة ، واستيفاء المنفعة المباحة ; ليصل كل واحد إلى الانتفاع بما في يد صاحبه ، مما يباح الانتفاع به ، فينبغي أن يشرع ذلك فيه ; ليصل كل واحد إلى الانتفاع بما في يد صاحبه ، فما يباح الانتفاع به ، ينبغي أن يجوز بيعه .

( 3165 ) فصل : فإن كان الفهد والصقر ونحوهما ، مما ليس بمعلم ، ولا يقبل التعليم ، لم يجز بيعه ; لعدم النفع به . وإن كان مما يمكن تعليمه ، جاز بيعه ; لأن مآله إلى الانتفاع ، فأشبه الجحش الصغير . ( 3166 ) فصل : فأما ما يصاد عليه ، كالبومة التي يجعلها شباكا ، لتجمع الطير إليها ، فيصيده الصياد ، فيحتمل جواز بيعها ، للنفع الحاصل منها ، ويحتمل المنع ; لأن ذلك مكروه ; لما فيه من تعذيب الحيوان . وكذلك اللقلق ونحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية